رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندي

رغم أنه الحقيقة الوحيدة المطلقة فى الكون، نشاهده يوميا و ربما عدة مرات  في اليوم الواحد، نعايشه ونتأثر به ونجيد ترديد كلمات الرثاء و المواساه لمن أصابه ذلك الخضب الجلل ، إلا انه عندما يقترب منا- خاصا اذا جاء فجأة- نقف عاجزين عن تصديق الحدث، بل وكأننا نشاهده لأول مرة. الموت هذه اللحظة التى تفصل حياة الإنسان عن آخرته، وهو فعلا لحظة يكون الإنسان قبلها ملء السمع والبصر يضرب فى جميع نواحي الحياه، يذكر اسمه فى محافل كثيرة حتى إذا حان أجله فى لحظة واحدة نسيه الناس وأصبح يحمل لقب  «المرحوم».

شاهدت الموت بل عايشته مرات عديدة ، ولكن ما كان يخفف صدمته أنه يأتى بمقدمات تدل على حدوثه، فالمرض من أعظم نعم الله على الإنسان لان المريض يكتسب رضا الله ومغفرته – إذا صبر – و فى نفس الوقت يكون تمهيدا لذويه بالرحيل المنتظر لمحبوبهم فى أى وقت.

تلقيت الأسبوع الماضى إحدى صدمات، هادم اللذات ومفرق الجماعات و محطم الآمال، ماتت أختى الكبرى و أمى الثانية الحاجة أم وليد دون مقدمات تذكر و كما حكوا لي ان الامر كله استغرق عشر دقائق من السادسة صباحا إلى السادسة وعشر دقائق، هذه الدقائق غيرت مجرى حياة جميع من حولها ، فمن أتى من بلاد بعيدة في ساعات محدودة و من غير جدول حياته فى ثوان و من ألجمته المفاجأة فاقعدته عن التفكير فلم يراوح مكانه انتظارًا لتصاريف القدر.

ولكن من حكمة المولى عز وجل أن تأتى المنحة من داخل المحنة و أن ينزل على قلوب المكلومين سكينة وصبرا وسلوانا بما يخفف به وطأه المصيبة.

الموت كما وصفه المولى عز وجل مصيبة ولكن إذا صبر المرء و احتسب و رضى بقضاء ربه يستطيع أن يأخذ احسن ما فى الموت اذا كان فيه شيء حسن.

لم اتوقع كما لم يتوقع الكثيرون معى ان تأتى النهاية بهذه السرعة خاصة ان الفقيدة العزيزة كانت لها طموحات فى الحياة تعانق عنان السماء، فكانت حتى اللحظات الاخيرة تعد و تجهز و تخطط لأعمال تستغرق تنفيذها سنوات طويلة وكانت تعمل بالحكمة القائلة ( اعمل لدنياك كانك تعيش ابدا و اعمل لاخرتك كانك تموت غدا) فرأينا لها أعمال تدل على التمسك بالحياة وطول البقاء فيها ولكن ما أثلج صدورنا و ربما صدور الكثيرين من المحيطين بها أعمال الخير التى بدأ  حديثها ينساب على كل لسان حتى الذى لم يعرفها و سمع بها فقط، لأنها كانت مربية أجيال من سيدات الزمن الجميل اللاتي تربين على الفضيلهة و تعلمن الصفات العظيمة ونقلنها إلى تلاميذهن.

حكايات تزيل الألم وتضمد الجراح وتشفى صدورًا أوغرها الحزن العميق و الاسى الشديد للرحيل المفاجئ.

فى لحظات الوداع  الأخير اختلطت مشاعر الفرح بالدموع والسعادة بالحزن عندما سمعنا  أحد الأشخاص  في المسجد يعدد مناقب هذه السيدة، وما أن تمشى فى جنابات القرية حتى تسمع كلمات الشكر و الثناء تنطلق من حناجر اما طلابا نهلوا من علمها او زملاء نعموا بصداقتها او فقراء جعلها الله سببا فى إسعادهم و هى اشياء لا أظن أن أى انسان يحتاج لاكثر منها، صدقة جارية - علم ينتفع به -  ولد صالح يدعو له).)

تلك هى الحياة الحقيقية التى تستمر بعد الموت لتعلمنا أن الأخره هى الباقية و ان الدنيا لها نصيب من اسمها فهى مهما طالت قصيرة و مهما بعدت قريبة و مهما أعطت فعطاؤها محدود وربما ينقلب إلى فقد.

رحم الله الحاجة أم وليد وغفر لها ذنبها وأسكنها فسيح جناته، وتقبل منها صالح أعمالها.

[email protected]