رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

من السابق لأوانه توقع نسب المشاركة فى الاستفتاء على الدستور التونسى الجديد الذى يجرى بعد غد الاثنين. لكن المؤكد أن الأسباب التى دعت لصياغة دستور جديد، وتحيط بظروف طرحه للاستفتاء الشعبى، هى نفسها التى ترجح نجاحه. فالدستور الذى شكل الرئيس «قيس سعيد» لجنة لصياغته، يبنى نظاماً لجمهورية رئاسية، خلافاً للنظام البرلمانى الذى أرساه دستور 2014، وصاغته حركة النهضة على مقاسها لتدخل تونس فى نحو عقد كامل من الفوضى وانهيار مؤسسات الدولة، التى تحولت إلى غنيمة يجرى التنافس على تقاسمها. 

تستند المراهنة على نجاح الاستفتاء إلى فقدان قطاعات اجتماعية واسعة للثقة فى الطبقة السياسية التى قادت البلاد فى أعقاب سقوط نظام «بن على» وتصدرتها تيارات الإسلام السياسى بقيادة حركة النهضة. فقد تكشف للتونسيين أنها حركة مخادعة لا خبرة لها بشئون الحكم، ولا هم لها سوى شره الاستحواذ على السلطة والانفراد بها ومراكمة الثروات، حتى لو قادت البلاد إلى حافة الانهيار والخراب والإفلاس. وجاءت مساندة التونسيين لإجراءات الرئيس «قيس سعيد» بحل البرلمان والحكومة وفتح الباب واسعاً لمكافحة الفساد، ووقف العمل بالدستور، منذ 25 يوليو الماضى، تعبيراً عن الرفض الشعبى الكامل لسياسات تلك الحقبة التى أفقرت البلاد ونهبتها. 

يجرى الاستفتاء على الدستور التونسى الجديد، ومن يتصدون لمعارضته ويصفونه بالانقلابى والاستبدادى هم بعض من كانوا سبباً فى وصول البلاد إلى أزمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة. فزعيم حركة النهضة «راشد الغنوشى» يحاكم أمام القضاء بتهم الإرهاب وغسيل أموال وتلقى تمويلات خارجية لمنظمات خيرية تابعة لحركته. ومدير المخابرات السابق الموالى للغنوشى سوف يخضع لمحاكمة مماثلة، بعد فشل هروبه من الإقامة الجبرية إلى الجزائر. كما جمدت البنوك أرصدة الغنوشى وعدد من قادة حركة النهضة وتم منعهم من السفر. وهو ما يعنى أن النهضة المدانة بالفساد والإرهاب، والمنقسمة على نفسها، ليس بوسعها أن تقنع أحداً بأن دعوتها لمقاطعة الاستفتاء، هى لخدمة مصالح التونسيين. 

عدد من العوامل الموضوعية، تتجمع لترجح نجاح الاستفتاء، وبدء العمل بالدستور الجديد تمهيداً لإجراء الانتخابات العامة فى ديسمبر القادم. بينها أن التحالف الذى تقوده حركة النهضة ويضم اتحاد الشغل وعدداً من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى ويهاجم الدستور ويدعو لمقاطعة الاستفتاء عليه، وعودة الأمور لما كانت عليه قبل إجراءات 25 يوليو الرئاسية، لا يحظى بشعبية، طبقاً لاستطلاعات الرأى المنشورة. وساهم التناقض والتأرجح فى مواقف القوى المكونة لهذا التحالف فى مواجهة قرارات الرئاسة الساعية لاستعادة مؤسسات الدولة عناصر قوتها، فى الكشف عن أنها محض قوى مصالح، تراكم مزايا مصالحها من استمرار ضعف الدولة وهشاشة مؤسساتها. 

ومن بينها كذلك الدعم الإقليمى الذى يحظى به الرئيس التونسى من قبل مصر والجزائر وبعض دول الخليج، فى مواجهة معارضيه فى حركة النهضة وأنصارها من رموز الفساد والخراب. كما يعد تراجع النموذج الليبرالى وضعف قدرته على النمو وحفظ الاستقرار السياسى والاجتماعى فى الدول الغربية، دعماً مضافاً للدستور التونسى، الذى يعيد بناء النظام السياسى المركزى بقواعد الجمهورية الرئاسية، فالدستور يمنح الرئيس سلطات تنفيذية حقيقية، تمكنه من لجم الفوضى السائدة، وإعادة الانضباط لمؤسسات الدولة الهشة، ومكافحة الفساد الذى يبدد مواردها، ويفرض عليها صراعات ومنافسات لا مصالح عامة من ورائها.

وهو من جانب آخر يعمل على الحد من نفوذ التيارات الدينية المتشددة، بنصه على منح الدولة بمفردها المسئولية عن العمل على تحقيق مقاصد الإسلام. بجانب استحداث مؤسسة تشريعية ثانية، موازية للبرلمان، هى مجلس الجهات والأقاليم، لمتابعة تنفيذ خطط التنمية المتوقفة، بما يعد ربطاً للديمقراطية السياسية بالديمقراطية الاجتماعية، ومنعاً لاختزال الديمقراطية فى التنافس السياسى لحيازة السلطات وحصد المكاسب. ونجاح الاستفتاء هو نجاح للشعب التونسى فى استعادة دولته المستباحة.