عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

لا أدرى لماذا تذكرت وأنا أشاهد افتتاحات الرئيس عبدالفتاح السيسى الأخيرة لبعض منشآت ومشروعات النقل فى العاصمة الإدارية الجديدة، وعلى رأسها محطة عدلى منصور التبادلية والتى تمثل فى اعتقادى تتويجاً لثورة إنشائية حداثية ضخمة لم تشهدها مصر منذ عهد محمد على، مقال كتبته وأنا ما زالت طالبا جامعيا شابا قبيل منتصف سبعينيات القرن الماضى بعنوان «لا بد من ثورة فكرية» نشرته مجلة الجديد الأسبوعية ضمن مقالات الشباب التى كان يتبناها ويحتفى بها أستاذنا د. رشاد رشدى مؤسسها ورئيس تحريرها رحمه الله، وكم كان جميلاً أن أجد مقال أستاذنا د.زكى نجيب محمود الأسبوعى فى صحيفة الأهرام بعد ذلك بأسبوعين أو ثلاثة تحت عنوان «نريدها ثورة فكرية»، ورغم الفرق الشاسع بين حماسة الشاب وقلة ثقافته وبين هدوء ورصانة الأستاذ وسعة رؤيته، فقد اتفقا على أهمية «الثورة الفكرية» التى ينبغى تكون مقدمة ومصاحبة لأى عملية تحديث اقتصادى أو إدارى تجرى فى المجتمع حتى يمكن للناس التفاعل الإيجابى معها والاستفادة منها.

والمغزى هنا واضح؛ فما يجرى على أرض مصر الآن من ثورات تحديثية حقيقية فى مجالات الصناعة والزراعة وإنشاء المدن الجديدة وتحديث القرى والمدن القديمة بعد القضاء على العشوائيات ونقل سكانها لمناطق حضارية جديدة شكلا وموضوعا كان ولا يزال يتطلب ثورة ثقافية كبرى يتطور بها فكر ووعى المواطن المصرى فى كل أرجاء الوطن حتى يمكنه أولاً التفاعل الإيجابى مع هذه الحركة التحديثية الشاملة، وحتى يمكنه ثانيا الحفاظ عليها واستدامتها. والثورة الثقافية التى أعنيها هى تلك الثورة الشاملة التى من شأنها القضاء على نمط ثقافة التخلف بقيمها السلبية التى عششت ونمت فى عقول ونفوس غالبية المصريين بفعل عوامل كثيرة لا مجال للخوض فيها الآن وجعلتهم يعشقون الفوضى والشللية والأنامالية والوساطات ويفضلون مصالحهم الشخصية على المصلحة العامة غير مدركين أنه لا فرق بينهما، جعلتهم لا يشعرون بالانتماء الحقيقى لوطنهم نظرا لما يشاهدونه من غياب للعدالة فى تطبيق القانون وتفاوت فى الدخول والنمو غير المتناسب لبعض الطبقات دون وجه حق.

إن القضاء على ثقافة التخلف إنما يبدأ بلا شك من القضاء المبرم على الأمية الأبجدية وتجفيف منابعها بتعليم إلزامى شيق وجيد لأطفالنا، وهذه أولى أبجديات الثورة الثقافية المنشودة، ويتواكب مع ذلك القضاء على الأمية الثقافية بتشجيع القراءة لكل الأعمار وفى مختلف التخصصات.

وإذا كانت الدعوة إلى ثورة ثقافية قد واجهت صعوبات وفشلاً فيما سبق، فما ذلك إلا لأن الدعوة لم تلق الدعم السياسى والمادى الكافى، لكننى أعتقد أننا اليوم بصدد عصر جديد وجمهورية جديدة ولا يمكن أن يكون ذلك كذلك إلا فى إطار ثقافة جديدة تتبنى قيم ثقافة التقدم التى تقدر قيمة الإبداع الفردى بموضوعية وتتبنى استراتيجيات لتنمية الوعى الثقافى والدينى وتنمية التذوق الفنى وتتيح كل الفرص لحرية الرأى والإبداع وتفجر الطاقات الإبداعية لكل صاحب موهبة فى ظل مناخ وبيئة فكرية مواتية تحترم الرأى والرأى الآخر، ويواكبها حركة نقدية وإعلامية واعية تتلقى كل صنوف الإبداع وتناقشها لصنع نماذج جديدة للقدوة بين أفراد المجتمع من المبدعين والعلماء وقادة الفكر. إننا بحق نحتاج لمثل هذه الثورة الثقافية الشاملة حتى يتكامل بناء الإنسان الواعى المتحضر على أرض الوطن، فالتحديث الثقافى ليس ترفاً بل هو ضرورة حياة لكل شعب يريد أن يتقدم ولكل أمة تريد أن تبنى حضارة جديدة.