عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

 

التفسيرات المتباينة التى انشغل المجتمع بتقديمها للجريمتين البشعتين اللتين حدثتا فى الآونة الأخيرة، وأودتا بحياة فتاتتين شابتين إحدهما طالبة، والأخرى إعلامية، تدعو للتوقف والتأمل. وما بين التفسيرات الدينية والأخلاقية، والأخرى النفسية والاجتماعية،التى قد يكون بعضها صحيحا ومعقولا، بدا مثيرا للقلق أن معظمها ينطوى على تبرير للجريمة، يقلل من مسئولية الجناة، ويلصقها بالضحايا. فضلا عن تضمنه تهيديدات للسافرات لا تخلو من لاستخفاف بالجريمتين، لأن الضحايا من النساء. 

ولا معنى لذلك سوى تجديد التأكيد، على أن الأجواء المحافظة والمتطرفة التى تتخذ من المرأة هدفا لعدوانها، ومنصة لتأكيد وجودها السياسى، وطريقًا لتغيير الهوية، التى أشاعها التيار السلفى، قد أحكمت سيطرتها على المجتمع، وباتت تشكل أفكاره وتوجهاته، بل هى تعيد إلى واجهة النقاش العام، قضايا كنا نظن أنها قد حسمت منذ بدايات القرن الماضى، حول حرية المرأة وحقوقها وزيها ! 

وكغيره من المجتمعات، فإن الجرائم التى تتسم بالوحشية، موجودة فى المجتمع المصرى وفى كل العصور والعهود. وللتذكرة، عرفت مصر فى الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات، جرائم ريا وسكينة، وخُط الصعيد، وسفاح المدن، وجثث الأزواج الملقاة فى أكياس القمامة، وغيرها من الجرائم الوحشية المدرجة قى سجلات الأمن الجنائى. و كانت وزارة الداخلية تنشر تقريرا سنويا مهما بحجم وطبيعة ونوعية تلك الجرائم، وأوقفته لأسباب مجهولة! 

لم تكن وسائل التواصل الاجتماعى قد أغرقتنا بعد فى متاهتها، وباتت خارج نطاق السيطرة. لم تعد وسيلة لنشر المعرفة، وتوسيع نطاق الحريات الفردية فى المجتمع فقط، بل غدت منصة للتعبئة لنشر الشائعات، وحتى التدريب على ممارسة الإرهاب. وما المبالغات التى تقول بأن مصر لم تكن تعرف هذا اللون من الجرائم، لا سيما بين من هم فوق مستوى الشبهات كالقضاة، سوى مظهر من مظاهر التهويل الذى يروج له لأسباب سياسية، ولاعلاقة لها بالرغبة فى معرقة الحقيقة. 

لم يحفل أحد بالعصف، بأخلاقيات نشر الجرائم،التى تفرضها مواثيق الشرف الإعلامى، وتحظر نشر صور المتهمين وجثث الضحايا، ومحاكمة الجناة أمام شاشات التليفزيون.وقبل عقود،كان بالسجون ما يسمى "عنبر القضاة " المتهمين بالفساد واستغلال النفوذ، وتمت قبل سنوات قليلة محاكمة قضاة بتهم تربح ومتاجرة فى المخدرات والآثار، ولم يشكك أحد فى نزاهة وحيدة القضاء المصرى، كما يحدث الآن. فى كل المهن يوجد فاسدون وصالحون. والتهم الجنائية تطول صاحبها،بغض النظر عن المهنة التى يعمل بها. 

هزت تلك الجرائم البشعة المجتمع، ومثلها، يهز كل ضمير حى.لكن المجتمع لن يضمن عدم تكرارها وهو يتملص من مسئولياته. وحين تقف قطاعات منه متفرجة على الجرائم وهى ترتكب، ويلوذ بعضها بالصمت ويتواطأ على انتشار المواد المخدرة علنا وفى وضح النهار وفى كل مكان،والتى أثبتت التحاليل أن الطالب القاتل يتعاطاها، ستتكرر تلك الجرائم. وهى ستتكرر حين تعود للظهور جريمة توظيف الأموال المدمرة للأفراد والمجتمعات، وحين تتواصل ظواهرالعصف بالقانون بتسريب الامتحانات، والغش الجماعى بها بمساعدة أولياء أمور، يعتدون على من يمنعونها. وهى ستتكرر بينما يجرى التعامل بلامبالاة مع من يرتكبون جرائم التنمر والتحرش، وتجد من يسرعون بتبريرها. نعم ستتكرر مع مواصلة الاعتداء شبه اليومى على الآخر المختلف، سواء كان جارا أو وزميل بالعمل أو أجنبى، أو غير المسلم وغير الذكر! 

ستتكرر تلك الجرائم،إذا استمر عدم التصدى الاجتماعى بحزم لكل أشكال استضاعف النساء، والصمت على العدوان اليومى على القانون. وما لم يسترد المجتمع قدرته على المقاومة، ويقوم بدوره المحورى فى التصدى لكل ما يسلبه إرادته، فستبقى تلك الجرائم خارج إطار الضبط الاجتماعى !