رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

يموت أحبابنا كل يوم. يسقط اسم. تتوقف رحلة، وتغيب صورة، ويبقى الذكر فى موقف ما. أفتح كراسات التفكير لأسأل: ما الموت؟ هل هو نهاية أم عتبة؟ يقول محمود درويش لنا «لم يعد أحدٌ من الموتى ليُخبرنا الحقيقة؟» لكننا نشعر دوما بالغائبين وبأحوالهم وكأنهم على قيد الحياة.

أرى الموت بعين الباحث كلحظة حقيقة دامغة، خطوة بين عالمين أحدهما صاخب والآخر ساكن، حبل بين مشاعر الظن واليقين، انطفاء عقل، وتحرر روح، إجازة أعضاء وتقاعد حواس. هو سفر غير مخطط مسبقا، وطريق بلا إشارات مرور أو لافتات. خرس مفاجئ وعمى مباغت ونوم يطول. الموت ضيف غير متوقع، زائر لا يستأذن، قادم حتمى لا مهرب منه.

من مات أيقن، علم، أنارته المعارف، وبلغ إجابات لأسئلة حار فيها طوال عمره. من مات فهم، تحقق، تبددت الأسرار حوله وبلغ الضفة الأخرى.

أتصور أن فكرة انسدال الأستار وسقوط السُحب عمَن يُغادر دُنيانا منطقية، فلابد للإنسان من لحظة حقيقة يقينية يُصبح فيها بصره حديدًا.

لو لم يمت الناس لتعذبنا كثيرا. وحسبنا أن نتذكر رواية جوزيه ساراماغو الشهيرة «انقطاع الموت» لنعرف كيف عانت مدينة ما من توقف الموت حتى أيقن الناس أن الموت حياة، وأن دائرة الدنيا لا يُمكن أن تدور دون موت.

كتب فيكتور غوجو يوما «إن الموت ليس شيئا رهيبا، فالرهيب هو أنك لا تموت». وقال أبوالعلاء المعرى «وما نفيق من السُكر المحيط بنا/ إلا إذا قيل هذا الموت قد جاء».

وكتب محمود درويش قصيدته الرائعة «جدارية» ليصور فيها شعوره بالموت، فيقول: «ما كان لى: أَمسى، وما سيكون لي/غَدِيَ البعيدُ/ وعودة الروح الشريد/ كأنَّ شيئًا  لم يَكُنْ /وكأنَّ شيئًا لم يكن».

ما العمل؟ أتذكر حكاية لطيفة كتبها الكاتب الأمريكى تود هنرى فى كتاب له بعنوان «مت فارغا». إنه يقول لنا إنه ليس أفضل من أن تمت فارغا. ممَ؟ نسأل، فيجيب «من كل شىء». إن كانت لديك فكرة نفذها، لا تؤجلها لغد. إن كان لديك علم أو فهم فامنحه لغيرك. إن كنت تحمل خيرا انشره. إن كان عندك مال فائض فانفع به آخرين. افعل من العمل أفضله، اعط أجمل ما لديك، ابدع وتفنن وأتقن كل شىء. ينصح تود هنرى الناس بنصيحة غالية، إذ يقول «لا تذهب إلى المقبرة إلا فارغا». لقد حضر المؤلف اجتماعا بإحدى الشركات العالمية وسمع أحد المدراء يسأل: ما هى أغنى أرض فى العالم؟ فأجاب كثيرون: بلاد الخليج العائمة فى النفط، وقال آخرون: إفريقيا الغاصة بالألماس. لكن المدير النابه استبعد الإجابات وقال إن أغنى أرض هى المقبرة. والسبب أن مليارات البشر ذهبوا إليها وفى داخلهم مليارات الأفكار النافعة وأعمال الخير المؤجلة التى دفنت معهم.

والله أعلم.

[email protected]