رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقي

 

 

 

كم كنت أتمنى أن تبادر وزارة الثقافة، والمؤسسات المعنية بالآداب والفنون إلى إحياء ذكرى واحد من أهم النقاد الذين مروا فى حياتنا، وهو الأستاذ فاروق عبدالقادر، فالرجل الذى غاب عن دنيانا فى 22 يونيو من سنة 2009، يعد أكثر النقاد جسارة وجرأة فى مواجهة كل ما هو سيئ وقبيح فى عالم الإبداع.

عرفت كتابات الرجل للمرة الأولى عام 1982، حين اطلعت على كتابه (ازدهار وسقوط المسرح المصري). كنت أتصفح الكتاب فى الثامنة ذات نهار طيب على كورنيش إمبابة، فإذا بى ألتهم صفحاته التهامًا، ومن تلك اللحظة، ظللت أطارد مقالاته وكتبه، ثم وهبتنى المقادير نعمة التعرف إليه شخصيًا فى النصف الثانى من الثمانينيات. كان يجلس مساء كل أحد على مقهى سوق الحميدية بباب اللوق، فكنت أحرص على اللقاء معه بعض الوقت، ومع مرور الأيام صرنا صديقين، ألتقى به منفردًا فى هذا المقهى أو ذاك، أو أزوره فى بيته بمنطقة منية السيرج بشارع شبرا، وما إن يخلو لنا الجو حتى أغمره بأسئلتى عن المسرح والأدب ونجوم النصف الثانى من القرن العشرين، الذين ارتبط بهم بعلاقات وثيقة.

حدثنى فاروق عن كيف أنه قرر هو وأمل دنقل ألا يغادرا مصر مع الذين غادروا فى زمن السادات، وقال لي: (فوجئت ذات يوم بأن أخبرنى أمل بحزن وعناد: محمود العالم خرج، وكرم مطاوع خرج، وأحمد عبدالمعطى خرج... كلهم تركوا البلد للسادات و«طفشوا»، فما رأيك يا فاروق ألا نخرج ونظل هنا فى القاهرة لنشهد على الكوارث التى يصنعها نظام السادات؟).

أوتى فاروق جسارة لم يحظ بها ناقد لا قبله ولا بعده، فحين كتب أحد كبار المسئولين فى وزارة الثقافة سيرته الذاتية، والجميع احتفى بها، تصدى له الرجل بمقال حاد عنوانه: (كل هذه الأكاذيب فى كتاب واحد)، وعندما نال جلال الشرقاوى جائزة الدولة التقديرية كتب فاروق: (جائزة الدولة لواحد من تجار المسرح)، ولما حصد رجاء النقاش جائزة الدولة، اعترض فاروق بمقال عنيف عنوانه: (جائزة الدولة لواحد من مثقفى عصر مبارك)، أما حين احتفلت الصحف والمجلات والإذاعات بمسرحية شعرية وصاحبها، انبرى فاروق ليفضح ركاكتها فى مقال مدهش عنوانه: (.... خطوة كبرى بالمسرح الشعرى إلى الوراء).

فضح فاروق أيضا هزال مسرح (الدكاترة الأربعة) الذين شغلوا الناس بمسرحياتهم المتواضعة فى الثمانينيات والتسعينيات، متكئين على مناصبهم الرفيعة آنذاك.

لم يسلم جمال الغيطانى أيضًا من الانتقادات الحادة لفاروق، فقد وصفه غير مرة هكذا (الخطّاء القديم)، ولما تدخل الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى ليوقف المعركة المحتدمة بين الرجلين، كتب فاروق موضحًا لحجازى أنه تابع كل أعمال جمال، وأنه أرضى ضميره الأدبى تجاهه طوال الوقت قائلا بعتاب: (أيام لم تكن فيها بيننا... كنت تنعم ببرد تهامة، وكنا نتلظى فى لهيب نجد)! فى إشارة إلى أن حجازى كان قد هاجر إلى باريس، بينما ظل فاروق فى القاهرة يواجه كوارث عصر السادات كما كان يقول لى.

عشق فاروق نجيب محفوظ، وأولاه الكثير من كتاباته النقدية، وقد حكى لى أنه أول من أجرى حوارًا طويلا مع محفوظ فى صباح اليوم التالى لفوزه بجائزة نوبل: (انتظرته فى حدود السادسة والنصف صباحًا فى مقهى على بابا بميدان التحرير. كان سعيدًا وهو يتلقى التهانى من العابرين، ثم قال لي: هذه الجائزة يا فاروق تؤكد أن جهدى طوال نصف قرن لم يذهب سدى).

أجمل ما فى فاروق عبدالقادر هو علاقته العميقة باللغة الفصحى، فهو قادر على تطويعها فى صياغات بالغة الرشاقة والعذوبة، لذا ليتنا نطلق اسمه على شارع أو مدرسة، فهو يستحق كل حفاوة وتكريم.