رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

إعطاء سيفٍ لجاهل أكبر جريمة يمكن أن ترتكب فى حق البشرية, خاصة إذا كان هذا الجاهل يستخدمه للدفاع عن عقيدة دينية، بعد أن يقنعوه بأنه يجاهد فى سبيل الله.  بهذه العقيدة المشوشة , طعن جاهلٌ نجيب محفوظ، وبها قطعت  «داعش» التي تدعي الإسلام آلاف الرءوس بدم بارد في السنوات القليلة الماضية، وطارت أعناق الكثير من العلماء والمتصوفة المسلمين والشعراء، أمّا النساء اللائي تجرأن في عصور الظلام الأوروبية على ممارسة التفكير أو إلقاء ما يشبه الشعر أو الاقتراب من دراسة العلوم والحكمة فقد كان أمرهنَّ سهلًا، حيث يتم اعتبارهنَّ ساحرات ويتم إحراقهنَّ أحياء وفقًا لفتوى القرون الوسطى بحرق الساحرات.

«هيباشيا» عالمة الرياضيات الشهيرة، شهيدة الإسكندرية، ولدت عام 370 ميلادية من أصول يونانية إلا أنها عاشت وماتت فى الستين من عمرها فى الإسكندرية ولم تغادرها قط, وكان والدها عالم رياضيات معروفاً، وأحد أعضاء المتحف السكندرى، وكاتباً وفيلسوفاً تخصص فى دراسة نصوص أكررنيوس التصوفية، وانصرف الأب ثيون وابنته هيباشيا إلى دراسة أعمال أهم علماء الرياضيات والفلك فى مدينة الإسكندرية, ورغم تخصصها فى علمى الرياضيات والفلك إلا أنها بدأت حياتها بعشق الفلسفة وأنشأت مدرسة تقوم على الفلسفة الأفلاطونية، وكانت تمارس التدريس من منزلها.

وتدل المصادر الأساسية على أن «هيباشيا» تمتعت بقدر عظيم من الصلابة الأخلاقية وأنها كانت مثالاً يحتذى فى الشجاعة والصدق والإخلاص، وفى الأعوام الثلاثة من حياتها ساد القلق والاضطراب مدينة الإسكندرية، فقد عينت روما والياً جديداً عليها يدعى أورسيتس، ولم يمض وقت طويل حتى توفى البطريريك ثيوفيالوس تاركاً قيادة الكنيسة فى يد ابن عمه سيريل «كيرلس» الشاب الذى يفتقر إلى الخبرة والتجربة، وكانت أزمته السعى للحصول على السلطة الدينية، وهو ما رفضه أورسيتس والى الإسكندرية آنذاك، ولكن هيباشيا سعت إلى فض النزاع المحتدم، فاعتبرتها الكنيسة منحازة إلى الوالى، والواقع أنها انحازت إلى الأفكار والقيم الإغريقية المتمثلة فى حرية التفكير والتعبير والتسامح مع الآراء المخالفة ونبذ التعصب.

ووجد «سيريل» نفسه يواجه الوالى الذى استند إلى مؤازرة هذه المرأة ذات الخبرة الواسعة والنفوذ العظيم، الأمر الذى بث الذعر فى نفوس أنصار البطريرك، وغضب رموز الكنيسة على هيباشيا وأشاع بعضهم أنها تمارس السحر، وآثاروا ضدها الرأى العام، فقام مجموعة من المسيحيين بقتلها بوحشية وحرقها، فأصبح الوالى بلا ظهير فاستسلم ورحل عن الإسكندرية وصارت سلطة الكنسية مطلقة.

ومن دواعي الدهشة والحزن أن أوَّل فيلم عن الفيلسوفة السكندرية تم إخراجه وعرضه في عام 2009، وأن مَن قام بتأليفه وإخراجه ليس مخرجًا مصريًّا كبيرًا، وإنما هو المخرج التشيلي الإسباني «أليخاندرو آمينابار»، وشاركه في كتابته «ميتيو جيل»، والفيلم بعنوان: «Agora» أو الساحة، وتدور أحداثه حول الفيلسوفة الراحلة, وقامت بدورها الممثلة الإنجليزية الجميلة: «راشيل وايز».

وتظل إحدى روائع الفيلم قدرة وعبقرية مخرجه على تحريك الجموع الغفيرة ببساطة، وكأنهم بالفعل خارجون لنا بلحمهم ودمهم من القرن الرابع الميلادي - زمن الفيلم- الذى ينتهي بزحف الجموع نحو مكتبة الإسكندرية، ومحاولة «هيباتيا» ومَن معها إنقاذ مخطوطات المكتبة ونماذجها الفلكية، ولكنها لا تستطيع إنقاذ شيءٍ، حيث يصل الرعاع إلى ساحة المكتبة ويحطمون كلَّ شيء ويحرقون كل الكتب والمخطوطات والخرائط وأحدث الاكتشافات العلمية، ثم يسعون خلف «هيباتيا» نفسها، يجرونها ويجردونها من ملابسها، ويقررون سلخها حيَّة، ولكن عبدها «دافوس» الذي أصبح واحدًا منهم يحاول تجنيبها عذاب هذه الطريقة البشعة للموت، فيقوم بخنقها حتى لا تشعر بشيءٍ بعد موتها.

وبرحيل «هيباتيا» ينتهى عصر الفلسفة المصرية اليونانية ويبقى حقها فى الاعتراف بدورها  فى الحفاظ على تراث علم الرياضيات.

[email protected]