رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

 

 

 

وأنا فى طريقى إلى قنا، سألنى الراكب الذى يجلس بجوارى بعد أن انتزع منى الكرسى الذى يقع على الطرقة، لأنه مدون عليه رقمه فى التذكرة التى يحملها قائلاً: أين مجلس النواب؟ جالت فى خاطرى فكرة مجنونة وهى أن أتوهه وأقول له مجلس النواب المحطة القادمة حتى يغادر الأتوبيس وأنفرد بالمقعدين، وأتخفف من الكمامة التى التزمت بها عندما شاهدته فى حالة كحة ناشفة منذ ركوبه الأتوبيس، لكننى تظاهرت بأننى لم أسمع سؤاله، وعندما كرر سؤاله مرة أخرى قلت له: مجلس النواب فى القاهرة فى شارع قصر العينى الشهير، ومعه شقيقه مجلس الشيوخ، وقريباً سينتقلان إلى مقرهما الدائم فى العاصمة الإدارية الجديدة، حملق الرجل فى وجههى وكأنه يحاول أن يتذكرنى، أنا أنظر له، وهو ينظر لى، واكتشفنا أننا نعرف بعضنا عز المعرفة.

هو نائب سابق من أيام العصر السابق من فترة التسعينيات أيام ما كنت أنا محررًا برلمانياً، ذكرنى باسمه، وتذكرنى هو، ودار بيننا حديث، هون علينا من وعثاء السفر، خاصة أن الأتوبيس كان فى حالة غير طبيعية، ولم يكن سوبر لوكس كما قالت الشركة، وانه فى حالة تدخين شره أقصد الأتوبيس، وكأنه يحمل فرن بطاطا، والثمار فى بداية التسوية فوق الصفيح الساخن من نار الفحم؟

حضرة النائب السابق وهو بالمناسبة من النواب الذين كنا نطلق عليهم «نواب أبوالهول» وللأمانة هذا الوصف لزميلنا الأساذ محمود نفادى شيخ المحررين البرلمانيين الذى كان له باع طويل فى الصحافة البرلمانية عن جريدة الجمهورية، ونواب أبو الهول كانوا يعملون من خلال كاتم للصوت، لا تسمع لهم صوتًا تحت القبة أو لجان المجلس، ولا يسجلون أى مشاركة فى المناقشات، وكان حزب الأغلبية المزيفة، يستخدمهم كمالة عدد عند التصويت، أو للتشويش على نواب المعارضة أو المستقلين أثناء عرضهم بيانات عاجلة أو طلبات إحاطة أو استجوابات للحكومة، فكان نواب أبو الهول يصفقون للحكومة، ويطالبون النواب الذين ينتقدونها بالجلوس وأحياناً الدخول معهم فى مشادات كلامية الهدف منها إنقاذ الحكومة، غير ذلك لا يفعلون شيئاً، وأحياناً لا يحضرون الجلسات، ويتواجدون عندما تحضر الحكومة لاستغلال الوزراء فى الحصول على توقيعاتهم التى تسمى تأشيرات تزكية بعضها كان يتم بيعها لأصحاب الطلبات.

هذا النائب السابق بالذات كان له لقب لو ذكرته به فى رحلة الأتوبيس التى التقيته فيها بعد حوالى 30 عاماً لربما كان الحوار الودى بيننا اتخذ شكلاً آخر، لكننى جاريته فى الكلام لأفهم ماذا يقصد بسؤاله أين مجلس النواب، وفهمت منه أن له تحفظات على أداء مجلس النواب بالذات، أما مجلس الشيوخ من وجهة نظره فلا يختلف عن مجلس الشورى، وذكرنى بالوصف الذى أطلقته على مجلس الشورى بأنه لا يهش ولا ينش.

من وجهة نظر نائب أبو الهول، أو النائب السابق أن مجلس الشعب فى السابق كان فيه «حراك» ومناقشات وجلسات ساخنة، وعرض للاستجوابات، واستدعاء للوزراء، وحركة دائبة فى اللجان، علاوة على ذلك أن جلسات مجلس الشعب كانت تذاع فى التليفزيون ليشاهدها المواطنون، ويتابع الناخبون أداء نوابهم للحكم عليهم عندما يعودون لانتخابهم مرة أخري. كنت أستمع منه أكثر مما أرد، وقلت له فى النهاية إن مجلس الشعب فى السابق كان يجيد الأداء المسرحى، وتوزيع الأدوار، وفى النهاية يتم التصفيق، والانتقال إلى جدول الأعمال، وتخرج الحكومة فائزة، ويبقى الحال على ماهو عليه، باختصار كان «مجلس ضجيج بلا طحن».

قال لى نائب أبو الهول ومجلس النواب الحالى ما رأيك فيه؟ قلت له كنت أتمنى أن تتم إذاعة الجلسات ليحكم الشعب بنفسه على أداء نوابه، وفى رأيى أن هذا المجلس يضم قطاعًا كبيراً من المجتمع المدنى ممثلًا فى الأحزاب السياسية، كما يتميز بتمثيل جيد للمرأة، وقام بتعديل العديد من القوانين، وإن كان يعمل فى هدوء فهذا ليس عيباً، المهم أنه يؤدى دوره الدستورى دون أى توجيه أو قيود، وهناك أصوات عالية تحت القبة تتحدث بحرية.

سألت نائب أبو الهول: ماذا فعلت أنت؟ قال: كنت نائب خدمات، أشارك الناس أفراحهم وأحزانهم، وفاتح بيتى لهم، قلت له: وكنت فاتح الدرج أيضاً، وخلى الطابق مستور، ضغط على يدى وقال: أنا كنت بسرياية فى بحر الحيتان، قلت له: اعترافك شهادة على هذا العصر الذى عم فيه الفساد، وهذا الفساد كان أحد أسباب قيام ثورة 25 يناير التى كان فى مقدمة أسبابها مجلس الشعب أيضاً الذى سيطرت عليه الحكومة وتم انتخابه من حزب واحد عام 2010، قال عندك حق، قلت له: عاوز تعرف أين مجلس النواب؟ قال: عارفه، فى شارع قصر العينى، وضحك قلت فى نفسى هو أبو الهول الصامت الذى كان يستخدم مثل الشومة فى يد الأغلبية لتخويف الأقلية!!