رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

 

غدت السيرة الذاتية جنسًا أدبيًا واسع الانتشار فى بعض الآداب الغربية، منذ القرن الثامن عشر، وظل هذا النوع من الأدب محدودًا، وفضل معظم الأدباء العرب البوح بتجاربهم الذاتية من خلال قصصهم ورواياتهم، وكانت هناك محاولات عربية تلت محاولة رائد السيرة الذاتية الفرنسى جان جاك رسو منها كتاب «الساق على الساق فيما هو الفرياق» للشيخ أحمد فارس الشدياق الذى صدر فى باريس عام 1855، وكتاب «الاعترافات» لعبدالرحمن شكرى عام 1916، لكن تبقى الريادة العربية للدكتور طه حسين بكتابه «الأيام»، وهى أشهر سيرة ذاتية فى الأدب المعاصر، ثم يأتى أحمد أمين بكتابه «حياتي» وإبراهيم المازنى «قصة حياة» ولطفى السيد «قصة حياتى» والعقاد «أنا» و«حياة قلم» وتوفيق الحكيم «سجن العمر».

 وفى عام 1989 فجر الراحل لويس عوض قنبلة مدوية حين أصدر كتابه «أوراق العمر» الذى تضمن الجزء الأول من سيرته الذاتية اتسمت بالصراحة المطلقة وتعرى فيها تماما أمام المتلقى، وتطرق إلى أفراد أسرته، فشقيقاته أصابهن الجنون، وشقيقه أستاذ الجامعة متوسط الذكاء لا يتمتع بالإبداع، ويغار منه فى أعماق نفسه، ويحسن إخفاء هذه الغيرة تحت قناع هدوئه، وسرعان ما نفدت طبعات الكتاب خلال أسابيع قليلة ومات لويس عوض ورفض ورثته السماح باعادة طبع الكتاب.

والحقيقة أن أدب الاعتراف فن أدبى رائع، ولكن بشروط، فالاعتراف ليس معناه أن يعرى كل مبدع نفسه ويبوح بأسرار قد تكون صادمة وجارحة وربما تخدش الحياء، ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة حين قال «كل أمتى معافى إلا المجاهرين»، فيجب أن نحترم طبيعة وخصوصية الشرق، فليس من حق المتلقى أن يعرف كل شىء عن المبدع الذى يحبه، لأن نظرة المتلقى للمبدع سوف تتغير بعد الاعتراف بلا شك لأن المتلقى المصرى والعربى لا يستطيع أن يفصل بين شخصية المبدع وأفكاره، ولا يدرك أن للأدب والفن معايير مستقلة عن الأخلاقيات، فما بالنا باعترافاته، كما أن بعض المراهقين يتخذون من المبدعين مثلاً أعلى ويقلدون تصرفاتهم، خاصة لو كان المبدع عالمًا أو مفكرًا أو سياسيًا، مما يترتب عليه كوارث أخلاقية، فالمتلقى العربى يبحث دائماً فى طيات العمل عن ملامح لشخصية المبدع ويذهب معها على أنها المبدع نفسه، ويرى كذلك أن انتشار أدب الاعترافات دليل على زيادة قيم الحرية والمصارحة والشجاعة فى عرض الذات بما لها وما عليها.

والخلاصة أن أدب الاعتراف شىء عظيم لأنه أولاً يطهر المعترف ويريحه نفسياً ويجعله صادقاً عند المتلقى، كما أن فيه تحذيرا وتنبيها من فعل الأشياء التى فعلها المعترف وبالتالى يتفادى المتلقون القيام بها، وهو نقل للتجربة والخبرة الحياتية والذاتية، ويتجلى ذلك بصورة كبيرة فى المجتمعات الغربية التى ترى فى هذا النوع من الأدب عبرة وعظة، ويزيد احترامها وتقديرها لمن يفعل ذلك، إلا أن ذلك يتوقف بالطبع على تركيبة تلك المجتمعات التى تتمتع بحرية كبيرة بعكس المجتمعات الشرقية التى تمتلك موروثًا هائلاً من العادات والتقاليد يمنعها من التفاعل مع أدب الاعتراف واعتباره شاذًا وغريباً عليها.

وأعتقد أن المشكلات التى واجهها بعض الذين كتبوا سيرهم الذاتية وعلى رأسهم الراحل لويس عوض - رغم روعة ما كتب - ستقف حجر عثرة أمام أى محاولة جديدة قد يجد صاحبها فى نفسه الشجاعة والصراحة والرغبة فى تعرية النفس، وعلينا أن ننتظر حتى تتغير نظرة المجتمع لهذا النوع الرائع من الأدب قبل أن نشارك جميعاً فى تشييع جنازته.

[email protected]