رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

 

 

فى رسالتها الأخير لقناة الجزيرة، قالت «شيرين أبوعاقلة» إن قوات الاحتلال الإسرائيلى اقتحمت مدينة جنين، وتحاصر بيوتها، سأوافيكم بعد قليل بتفاصيل الخبر فور اتضاح الصورة. ذهبت شيرين فى الساعات الأولى من صباح الأربعاء لمخيم جنين لتكشف للعالم كما هى عادتها، جرائم اقتحام جيش لاحتلال للبلدة الفلسطينية شمال الضفة الغربية.. لم تكن شيرين تعلم أنها ستغدو بعد قليل هى نفسها الخبر وهى تفاصيله. اتضحت الصورة،ورأى العالم من شرقه إلى غربه تفاصيلها الفاجعة. قناص إسرائيلى يباغتها برصاصة فى الرأس خلف اذنها لتسقط شهيدة.

لم تكن الجريمة مصادفة. ولم تكن الرصاصة طائشة. التصويب نحو الرأس كان هو الهدف، ألم يقل «حنظلة» ناجى العلى إن الفلسطينى مطلوب حيا وميتا. ألم يستشهد ناجى نفسه برصاصة فى الرأس، ظنامن قاتليه أن موته سوف يطمس الحقيقة. حقيقة شعب يشرد ويقتل وتهدم بيوته وتسرق ثرواته وتراثه وتاريخه، ويحرم من دولة يعيش فى أرجائها بحرية وكرامة.

رأس «شيرين» كان هوالمطلوب. ففى داخله عقل واع بدوره، وروح مثابرة مقاتلة تحمل قضية وطنها وشعبها، وتهب حياتها دفاعا عنها. ولأنه رأس مملوء بسجل حافل بالصوت والصورة على امتداد نحو ربع، بفضائح جرائم يومية لاحتلال عنصرى، تعفيه القوى الدولية من أى التزام بشرائعها وقوانينها، التى يفترض أن تحمى المدنيين صحفيين وغير صحفيين، فإن تدميره مطلب محموم لدى الاحتلال الباطش الذى يخشى الحقيقة.

وبفجر معتاد من احتلال استيطانى، قال يوما أحد قادته إن الفلسطينى الطيب هو الفلسطينى الميت، يسعى للتنصل من الجريمة والصاقها بفصائل فلسطينية مسلحة.

أرست شيرين أبوعاقلة خلال نحو 25 عاما من عملها، مدرسة فى الأداء الإعلامى الفضائى تميزت بالاحتراف والموضوعية، واكتسبت مصداقية من اتساع الرؤية وعمق الثقافة والقدرة على التحليل، هذا فضلا عن حضورها الأخاذ وثباتها الانفعالى الآسر، ووجهها الملائكى الجميل الذى يكتسب جماله من بساطتها فى الشكل والمظهر، ومن لغتها المتقنة، ومن قدرتها الفائقة على شرح أعقد القضايا، بأوضح الكلمات، لتروى من خلالها حكايات لا تنضب عن فلسطين المحتلة المنهوبة. تصف شيرين عملها فتقول: لن أنسى أبدا حجم الدمار، ولا أن الموت كان أحيانا على مسافة قريبة.. كنا نحمل الكاميرا وننتقل عبر الحواجز العسكرية والطرق الوعرة. ورغم الخطر كنا نصر على مواصلة العمل.. فى اللحظات الصعبة اخترت الصحافة كى أكون قريبة من الإنسان.. ربما ليس من السهل أن أغير الواقع، لكننى على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم.

لن تكون شيرين أبوعاقلة آخر ضحايا بلطجة الاحتلال الإسرائيلى، وقواته الخاصة المدربة على القنص والتدمير. والرصاصة التى اخترقت دماغها، هى رسالة إسرائيلية لأمة العرب، التى فرطت طواعية فى كل أوراق القوة التى كانت تمتلكها بالاعتراف المجانى بها، تقول لهم فيها، أنا الأقوى منكم جميعا، أملك السلاح النووى الذى نجحت فى حرمانكم منه، وأملك أحدث الأسلحة الأمريكية الفتاكة، وأتحصن بضمير دولى ميت لا حديث فيه عن العدالة بل عن القوة. وبالقوة سننهى اوسلو التى أوجدت سلطة وطنية فلسطينية، ولن ننفذ القرار الدولى 242 الذى يسمح باستعادة الأرض الفلسطينية على حدود ما قبل 1967، فالفيتو الأمريكى فى جيبى، والتوطؤ الأوروبى يساندنى، والضعف العربى يهيئ لى الامكانيات لمواصلة الانتهاكات ومنع الفلسطنيين والعرب من السيطرة على مصائرهم.

لكن المشكلة أن تلك الرسالة لا تخيف الشعب الفلسطينى الذى سيبقى فى أرضه ليوم الدين، مدافعا عن حقه فى دولة، وعن وحريته وكرامته، مرددا مع شهيدته الغالية نداءها بأعلى الأصوات: من فلسطين أنا شيرين أبوعاقلة.