عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

 

آيتان عظيمتان أتوقف أمامها طويلا كلما قرأتهما وكثيرا ما شعرت بأنهما يلخصان حياة الانسان على هذه الأرض هما قوله تعالى فى سورة البلد " لقد خلقنا الانسان فى كبد " وقوله تعالى فى سورة الإنشقاق "ياأيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه " ؛ ففى الآية الأولى أقر الله تعالى أنه خلق الانسان ليعانى ويكابد من أمور الدنيا ؛ وعلى الرغم من أن ابن كثير يقول فى تفسيره أن الكبد هنا تعنى الاستواء والاستقامه ، إلا أننى أميل إلى التفسيرات الأخرى التى ترى أنها تعنى المشقة والآلام التى يتحملها الانسان منذ معاناته وهو فى رحم أمه إلى مواجهته للحياة بصرخة عند الولاده وبعد ذلك معاناته فى مراحل حياته المختلفة حتى يُشكل من ذاته شخصا قادرا على الشعور ببعض لذات الحياة التى لو دققنا فيها النظر سنجدها مصحوبة أيضا بالألام ، إذ الاتوجد لذة من لذات الحياة إلا ويصاحبها الألم .

 وهنا يحضرنى قول بوذا : أن حقيقة الوجود هى الألم ، وبعيدا عن بوذا وأقواله فقد عبرت الآية الثانية عن المعنى الحقيقي للكبد الذي يعانيه الانسان فى حياته الدنيا ؛ إذ على الرغم من أن عامة المفسرين قالوا أن المقصود بالكدح هنا العمل الساعي إلى مرضاة الله والالتزام بأوامره ونواهيه ، إلا أننى أرى أن المخاطب هنا ليس فقط الانسان المؤمن الذي يجاهد نفسه ليسير على الطريق المستقيم ملتزما بأوامر الله ونواهيه ، بل هو الانسان أيا كان ، فالكدح هنا والتعب والمشاق سمة عامة من سمات الحياة الانسانية ، والصراع بين الخير والشر التى فطرت عليهما النفس الانسانية هو صراع لاينتهى إلا بالموت.

 ولنلاحظ الاعجاز والبلاغة القرآنية فى التعبير  بلفظة " فملاقيه" عن سرعة الانتقال من الحياة الدنيا إلى الحياة الأخرى التى سيلقى فيها الانسان ربه ويتعرف على مصيره الذي سيكون نتيجة عمله فى حياته الأولى فإن كان خيرا فخير وإن كان شرا فشر !! ، ومن ثم التقى معنى الكبد مع معنى الكدح ؛ فالكدح فى العربية تعنى السعى فى سبيل الحصول على  الشئ بجد واجتهاد وعناء ، إذ هى مأخوذة من كدح فلان جلده إذا خدشه . وخلاصة القول أن حياة الانسان فى مجملها ليس إلا كفاحا وجهدا جادا يبذله الانسان لمرضاة الله وانتظارا لثواب الآخرة أى الفوز بحياة النعيم فى الجنة .

وهنا يثور السؤال: إذن إذا ماكان الله قد خلقنا لنعانى ونكابد المشاق والآلام فى الحياة  ، فماذا تعنى السعادة وأين هى فى هذه الحياة الدنيا ؟!

والمفاجأة القرآنية تكمن فى أنه لم ترد لفظة السعادة سوى مرتين ارتبطتا بالحياة الأخرى وليس بالحياة الدنيا ؛ قال تعالى فى سورة هود " يوم يأت لاتكلم نفس إلا باذنه فمنهم شقى وسعيد " ( آية 105)، وبعدها وفى نفس السورة (آية 108) قال تعالى : " وأما الذين سعدوا ففى الجنة خالدين فيها مادامت السماوات والأرض "، وواضح أن الآية الأولى تشير إلى سعداء يوم القيامة وفى لحظات الحساب الأولى ، أما الثانية فتشير إلى استقرار من نجحوا فى اختبار الحساب ودخلوا الجنة فهم السعداء بالفعل .

وإذا سأل السائل هنا : وماذا عن كل مظاهر الفرح والسرور التى نشعر بها فى كثير من أفعالنا فى هذه الحياة الدنيا من المناصب والجاه والسلطان التى يتمتع بها المرء إلى الفرح والسعادة بملذات الحياة المختلفة من مأكل ومشرب ونكاح .. الخ. لكانت الاجابة التى تتوافق مع ماسبق هى أنها كلها مظاهر للسعادة الزائفة حيث يصاحبها ويداخلها الألم خاصة حينما يفرط الانسان فى ممارستها  ، ومن هنا كانت الدعوة القرآنية الدائمة إلى الاعتدال فى ممارسة كل هذه اللذات فهى ليست مناطا للسعادة الحقيقية كما نتصور ، حيث أن السعادة الحقيقية والخلو من الكدح والكبد والألم لن يكون إلا فى الحياة الأخرى حيث يتحقق قوله تعالى فى الحديث القدسي : "أعددت لعبادى الصالحين مالا عين رأت ولاأذن سمعت ولاخطر على قلب بشر" ، وكم من آيات كثيرة وردت فى وصف السعادة والنعيم الذي ينعم به أهل الجنة " .. وهم مكرمون فى جنات النعيم "( الصافات . آيه43).

 وخلاصة القول أن علينا أن ندرك أن مكابدة الآلام فى هذه الحياة هو معناها الحقيقى ومن ثم علينا الرضا بواقع الحال " لكيلا تأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بما أتاكم "(الحديد- 23). فلاينبغى أن تنفطر قلوبنا ويملأها الأسى والحزن على مانكره من أحداث ولاينبغى أن نطير فرحا على شئء وهبنا الله إياه .. فحياتنا رحلة معاناة وألم والسعادة فيها لحظات من الوهم الخادع وان شابه بعض مشاعر اللذة والفرح .