عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

لا أعرف دينا احتفى بالعقل احتفاء الاسلام به؛ فالعقل مناط التكليف وهو بتعبير الامام الغزالى « أس الشرع وما لم يكن أس لم يكن بناء»، ومن المعروف أن معجزة الاسلام هى «القرآن» الذى يتحدى العقل الانسانى فى الأساس بما فيه من اعجاز لفظى وبلاغى، وبما فيه من اشارات علمية ومستقبلية تحار العقول فى فهمها ولا تنكشف أسرارها إلا تباعا، وحسب ما يحققه الانسان من تقدم علمى وفلسفى عصرا تلو الآخر.

ويقول الامام أبو حامد الغزالى فى «احياء علوم الدين»، متحدثا عن مكانة العقل وشرفه فى الاسلام : «إن العقل منبع العلم ومطلعه وأساسه والعلم يجرى منه مجرى الثمرة من الشجرة والنور من الشمس والرؤية من العين، فكيف لا يُشرف ما هو وسيلة السعادة فى الدنيا والآخرة؟ أو كيف يُستراب فيه، والبهيمة مع قصور تمييزها تحتشم العقل حتى إن أعظم البهائم بدنا وأشدها ضراوة وأقواها سطوة إذا رأى صورة الانسان احتشمه وهابه لشعوره بالاستيلاء عليه لما خص به من ادراك الحيل» .

وقد استشهد بأحاديث كثيرة من أحاديث النبى محمد (ص) أذكر منها ما روته السيدة عائشة رضى الله عنها من أنها سألت: قلت يارسول الله بم يتفاضل الناس فى الدنيا؟ قال: بالعقل، قلت: وفى الآخرة قال: بالعقل، قلت: أليس انما يجزون بأعمالهم؟ فقال: ياعائشة وهل عملوا إلا بقدر ما أعطاهم الله عز وجل من العقل؟ فبقدر ما أعطوا من العقل كانت أعمالهم وبقدر ما عملوا يجزون.

والسؤال الذى يحيرنى حقا: إذا كان الاسلام دين العقل، واذا كانت هذه هى مكانة العقل فى الاسلام، فكيف سمح المسلمون لأنفسهم أن يتنازلوا عن الريادة العقلية والعلمية للحضارة الانسانية لغيرهم؟! وكيف لهم أن يرتابوا فى منجزات العقل العلمى البشرى وهم رواده وواضعو كل أسسه فى عصر الاسلام الأول؟! بل وكيف نجدهم الآن -وبالذات فى الدول ولدى الجماعات التى تدعى أنها اسلامية وحامية للدين- من أشد الناس عداوة للعقل وإعماله سواء على صعيد التأمل الفلسفى لحقيقة الوجود الطبيعى والانسانى ومحاولة الفلاسفة رسم صورة أفضل وأمثل للتقدم الأخلاقى والسياسى والعلمى للبشر أو على صعيد الكشوف العلمية المبددة لجهل البشر بما يحيط بهم من ظواهر؟!

وليس لهذه الأسئلة من اجابة إلا أن مكانة العقل عند المسلمين قد  تراجعت، وأنهم قد نكصوا وتكاسلوا عن فضيلة الاجتهاد العقلى التى هى أيضا من أسس العقيدة الاسلامية. وبالطبع فإن هذا التراجع ليس وليد اليوم أو الأمس القريب بل هو منذ زمن محنة ابن رشد فى القرن الثانى عشر الميلادى، ومنذ أن لم ينتبهوا إلى عبقرية وقيمة كتاب المقدمة لابن خلدون فى القرن الرابع عشر الذى وصفه الغربيون بأنه أعظم كتاب ألفه انسان فى أى زمان وأى مكان، لقد توقف الاجتهاد وحورب  كل من اجتهد أو حاول الاجتهاد منذ هذا الزمان وإلى الآن، وأصبح المسلمون يدمنون اجترار الماضى واعادة احياء والاعتزاز بكل ما هو قديم من تراثهم!! فهل سيظلون هكذا أم سيعيدون للعقل مكانته وللاجتهاد دوره وللعلماء والفلاسفة مكانتهم، حتى يعودوا إلى قيادة ركب التقدم الحضارى من جديد؟!

[email protected]