رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

فى ساحة المحكمة سقط الأستاذ رجائى عطية نقيب المحامين وهو يترافع فى إحدى القضايا ليختتم برحيله المفاجئ تاريخا عطرا كان فيه مثالا للأخلاق والأدب الرفيع، والسعى الدائم لخدمة العدالة. ومهما اختلف البعض مع الراحل فى فكر أو رأى أو موقف ما، فإن أحدا لم يختلف عليه كمحام نزيه يحمل من الفكر والثقافة ما يكفى ليُذكرنا بعظماء وأفذاذ صالوا وجالوا فى ساحات المحاكم وسعوا إلى خدمة العدالة والدفاع عن الحق غير عابئين بما هو سواهما.

لقد كان الراحل يمثل امتدادًا لجيل عظيم من المحامين الأكفاء البارعين الذين تميزوا بخصال عظيمة وأخلاق رفيعة، عندما كان المحامى هو صوت الحق، يحمل راية العدل والصدق والأمانة، يناصر العدل، ويناضل لدرء الظلم، وهو يعلم أن حريته ومصالحه وحياته فى خطر.

وللأسف الشديد فقد تشوهت النظرة لمهنة المحاماة خلال السنوات الأخيرة، ربما نتيجة تصرفات وألاعيب بعض مَن ينتمون للمهنة ويتصورونها طريقا لجنى الأرباح بأى وسيلة دون الاستناد لأى مبادئ وقيم أخلاقية. لقد ساهم هؤلاء فى تغيير صورة المهنة من وسيلة للدفاع عن المظلومين إلى طريق للاحتيال على القانون وقلب الحق باطلا، والباطل حقا، وإنصاف المجرمين ومساعدة الخارجين عن القانون على الإفلات من العقاب. وأعتقد أنه لولا المقاومة الصلبة للتيار الأخلاقى داخل المهنة لصارت الصورة أكثر سوادًا.

إننا فى حاجة حقيقية لاسترجاع نماذج المحاماة العظيمة فى تاريخنا الحديث وكيف كان جيل الرواد ينظرون إلى القانون باعتباره حصنا للعدالة، وملاذا للبسطاء، وعينا للرقابة على الحكومة. وحسبنا أن نتذكر كيف كان سعد زغلول نموذجا عظيما للمحامى الكفء الملتزم بالقانون والمحب لوطنه وأهله، وكيف كان مصطفى النحاس مثالاً يحتذى فى النزاهة والأمانة وشرف الكلمة، بل كيف كان إبراهيم الهلباوى صوتًا بليغًا فى المرافعات الرصينة، وكيف أخطأ بقبوله المرافعة كمدعى فى محكمة دنشواى، وندم على خطئه، ففعل كل شىء لتصحيح الخطأ ونذر نفسه للدفاع عن الوطنيين المصريين فى كل محفل حتى آخر حياته، فسماه عباس العقاد «أعظم طلاب المرحمة».

لقد كانت سير المحامين العظام من أمثال مصطفى مرعى، عبد العزيز فهمى، مكرم عبيد، وعلى الرجال، كمال خالد، أحمد نبيل الهلالى، وغيرهم فى ساحات المحاكم مثالاً رفيعًا لتجسيد شخصية رجل العدل، المدافع عن المظلوم، والساعى لنصرة الحق بكل جهد.

وكما قلت من قبل فإن المحامى الكفء هو رجل بلاغة، وعلم، ومنطق، وفلسفة، وتاريخ، وثقافة ومعرفة عامة، يُحسن الحديث، ويجيد الكتابة، ويُربى ذائقته واستعذابه للأدب بالقراءة والاطلاع والاستماع الدائم للآخرين، ويتعلم صغيرًا وكبيرًا دون استعلاء حتى يُصبح مؤهلاً لمهنة البحث عن العدالة.

وحسبى أن أذكر نفسى وإياكم بمقولة الفقيه الدستورى العظيم عبد الرازق السنهورى التى قال فيها «إن المحاماة هى فن الحجة، والبرهان، والاقناع، لذا كان رواد الفلسفة محامين بما يملكون من حجج، ولغة عالية، ونظرة ثاقبة. وكثير من الشعراء كانوا محامين بما يمتلكون من أدوات اللغة والبلاغة والفطنة». وحسبى أن أكرر نصيحته لشباب المحامين والتى جاء فيها « لا تكذب ولا تعط الوعود، فأَنت لست صاحب قرار ولست مسئولًا عن النتائج، وقبل ذلكَ كلّه كن إنسانا لتكَن محامِيا. لا تكسب دَعْوَى وتخسر نفسك».

ورحم الله رجل الأخلاق والحقوق رجائى عطية، وسلامٌ على طلاب العدالة ورجالها الأوفياء أينما كانوا.

وسلاٌم على الأمة المصرية.