عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

 

كلما هلت ذكرى ميلاد سيد درويش (17 مارس 1892)، أجدنى شغوفًا بالإنصات إلى ما تيسر من أغنياته الآسرة، لكن يبدو أن الكنز الموسيقى المذهل الذى تركه هذا العبقرى الفذ مازال يخفى فى ثناياه الكثير، وما علينا إلا نغوص فى بحر هذا الكنز، عسى أن نفلح فى اقتناص جواهره الثمينة ولآلئه النادرة.

من هذه الجواهر ما سأذكره لك توًا، إذ لا أظن أن هناك فنانا موسيقيًا أقدم على تلحين أغنية واحدة يردد كلماتها خمسة أفراد من جنسيات مختلفة، كل بلغته، إلا هذا المدعو سيد درويش. هذه الجسارة فى تلحين تلك الأغنية العجيبة بلهجات مختلفة تؤكد أنه كان رجلا مكونا من اللحم والدم والأنغام والإيقاعات.

الأغنية اسمها «بوخومار خنفشار» من أوبريت اسمه «رن» قدمته فرقة نجيب الريحانى على المسرح ربما فى عام 1918، أو حول ذلك التاريخ تقريبًا.

كتب الأوبريت وكلمات الأغنية العبقرى الآخر بديع خيرى، وكما تقول المعلومات المتاحة حول الأغنية، فإن (أبو كشكش) تزوج أربع نساء من جنسيات مختلفة هى اليونانية والشامية والتركية والسودانية، وقد وصل أهل زوجاته جميعًا إلى بيته فى وقت واحد بهدف قتله! وهكذا تدور وقائع الأغنية الغريبة، حيث ينذر ويتوعد كل واحد من هؤلاء الأربعة، كل بلهجته الخاصة، يتوعدون (أبو كشكش) الذى يرد عليهم ذلك الرجل المزواج بلهجتنا المصرية.

سمعت الأغنية مرارًا بصوت سيد مصطفى ومحمد البحر درويش ابن سيد درويش، ولم أفهم الكثير من كلماتها بطبيعة الحال، غير أن الموسيقى المنهمرة تتسلل إلى القلب بيسر، فأجدنى أدندن ببعض مقاطعها ونغماتها، الأمر الذى يفسر لنا ما قاله عبدالوهاب عن موسيقى سيد درويش، حيث وصفها بقوله: (إنها موسيقى عشرية، موسيقى بنت حلال، لها أب ولها أم).

الحق أن المتأمل فى الإنجاز المذهل لسيد درويش يعتريه العجب، إذ كيف لشاب عاش 31 سنة فقط أن يلحن 30 مسرحية غنائية احتوت على أكثر من 250 أغنية، الكثير منها مازال يتردد حتى الآن؟ وكل ذلك حدث قبل أكثر من قرن من الزمان. تعال أذكر لك بعض هذه الأعمال الفنية الرائعة: نشيد بلادى بلادى، وهو نشيدنا القومي/ أحسن جيوش فى الأمم جيوشنا/ قوم يا مصرى مصر دائما بتناديك/ سالمة يا سلامة/ يا عزيز عيني/ زورونى كل سنة مرة/ أنا هويت/ الحلوة دى قامت تعجن فى الفجرية/ أهو ده اللى صار/ يا حلاوة أم اسماعين فى وسط عيالها/ هز الهلال يا سيد/ حرّج عليا بابا ما روحش السينما/ على أد الليل ما يطول/ والله تستاهل يا قلبي/ دنجى دنجى... سرقوا الصندوق يا محمد/ يا بلح زغلول/ الوصوليين... عشان ما نعلى ونعلى ونعلى لازم نطاطى نطاطى نطاطي/ خفيف الروح بيتعاجب/ يا بهجة الروج/، فضلا عن الأغنيات التى أنجزها لفئات اجتماعية مختلفة مثل الموظفين والعربجية والشيالين وغيرهم.

حتى الملائكة والشياطين لم يسلموا من حلاوة موسيقاه، فهناك أغنية له اسمها (الشيطان) كتبها الممثل الكبير عبدالعزيز أحمد، وغناها سيد درويش فى مسرحية (الباروكة) التى عرضت سنة 1921، ويقول مطلعها (كان الشيطان بيعزّم يوم على ابن الناس/ عايز يجيب له نحس البوم من الديل للراس)، وبالمناسبة هناك تسجيل لهذه الأغنية بصوت عبدالوهاب على العود.

أما الملائكة، فغنى لهم سيد درويش (يا ناس أنا مت فى حبى وجم ملايكة يحاسبونى حدش كده قال؟)، والتى كتبها بديع خيرى، وهى موجودة على يوتيوب بصوت إسماعيل شبانة الشقيق الأكبر لعبدالحليم حافظ.

باختصار... سيد درويش ابن ثورة 1919 هو أعجوبة عابرة للقرون، لذا ليت وزارة الثقافة تخصص العام القادم كله للاحتفال بمئوية هذا العبقرى الفذ.