رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عرفت مصر القديمة العمران منذ أقدم العصور. وكانت مدينة إنب حدج (أو الجدار الأبيض) هى أولى عواصم مصر القديمة الموحدة فى بداية عصر الأسرات وبداية التاريخ فى مصر فى أواخر الألف الرابعة قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام.

وحدثت وحدة مصر بالتدريج من الجنوب إلى الشمال؛ إذ تم توحيد أجزاء مصر حضاريًا ثم سياسيًا تحت راية المعبود الأزلى حورس الذى قُدس فى مدينة الكاب (بالقرب من مدينة إدفو فى محافظة أسوان الحالية). ولعب التجار الجنوبيون دورًا كبيرًا فى نقل ثقافتهم ونشرها فى الشمال. وكان الصعيد اتحد تحت حكم واحد ولواء واحد وراية واحدة بعد سلسلة من الحروب وبفضل عدد من التحالفات السلمية. ثم اتحد الشمال والجنوب سياسيًا معًا إلى أن أعلن ملك مصر العليا والسفلى، الملك المؤسس مينا أخيرا الوحدة السياسية والأبدية للبلاد المصرية.

       وقد أسّس هذه المدينة الجديدة، انب حدج، الملك الموحد حور عحا

 (أى حورس المحارب)، الذى حمل لقب مِنِى بمعنى المُثَبِّت أو المُدِّعم لأركان وحدة مصر الجديدة، والذى يعرف فى زمننا الحالى باللفظ الشائع مينا؛ ذلك الملك الذى نظر إليه المصريون فى كل العصور التالية بعين الإجلال والإكبار؛ نظرًا لكونه أول ملوك مصر الموحدة، والملك الوحيد الذى نجح فى توحيد البلاد بعد محاولات عديدة من قبل ملوك كثيرين والقضاء على الصراع السياسى والتناوش العسكرى اللذين استمرا فترة طويلة من الزمن قبل عهده المجيد.

وقام الملك مينا بإنجازات عديدة كان أهمها توحيد مصر وتأسيس هذه العاصمة الجديدة للبلاد إنب حدج. ويقول أبو التاريخ هيرودوت بأن كهنة العاصمة حدثوه بأن مينا كان أول من حكم مصر من البشر وبنى ذلك الملك القلعة البيضاء أو الدار البيضاء (يعنى مدينة إنب حدج) عند رأس الدلتا لتكون عاصمة للمملكة المتحدة وأوجد جسرًا لحماية العاصمة؛ إذ كان النهر كله يجرى بحذاء الهضبة الرملية من جانب الصحراء وجفف المجرى القديم وحول مجرى النهر لينساب بين الهضبتين. وتقع هذه العاصمة الجديدة على البر الغربى للنيل وتبعد نحو أربعة وعشرين كيلو مترًا إلى الجنوب من عاصمة مصر الحالية، مدينة القاهرة. وهى فى موقع استراتيجى بين وادى النيل والدلتا، وفيه يلتقى الصعيد بالدلتا، وكذلك طرق التجارة. ويشير الدليل الأثرى إلى أن موقع هذه العاصمة المختارة كان موجودًا منذ عصر ما قبل الأسرات. وكان من أبرز ملامح هذه العاصمة المبانى الإدارية مثل المبنى الأبيض الذى احتوى على المقر الملكى ومكاتب الحكومة. ومثلت هذه المدينة مركز الوحدة وميزان الأرضين، أرض مصر السفلى وأرض مصر العليا، واختار الملك بذكاء ذلك المكان المتوسط، والذى سوف يكون أغلب الوقت المكان الأبدى الذى سوف تُحكم منه مصر، باستثناء مدينة الإسكندرية التى اتخذها البطالمة والرومان من بعدهم كعاصمة لمصر حتى تكون قريبة من بلادهم الأصلية.

وأول ملوك مصر المحاربين هو الفرعون حور عحا (أى الصقر المحارب) الذى يظهر اسمه طبيعة الفترة التى عاش فيها. وأطلق عليه اسم مِنِى أو أمينا بمعنى المثبِّت أى الذى ثبَّت أركان الوحدة المصرية، كما سلف القول.

وشهد هذا الملك فى فترة حكم والده الملك نعرمر (أو نارمر آخر ملوك عصر الأسرة صفر) عصرًا طويلاً من الصراعات السياسية والعسكرية عبر الأرض المصرية ككل. ومن الجدير بالذكر أنه تم توحيد الأرض المصرية حضاريًا ودينيًا تحت راية المعبود حورس الذى حارب تحت رايته أتباعه إلى أن تم استكمال الوحدة السياسية من الجنوب إلى الشمال على مراحل وصلت نهايتها إلى أعماق الدلتا المصرية، كما أشرنا من قبل.

والملك حور عحا أو مينا هو أول ملوك مصر وهو الذى وحّد القطرين وأنشأ الدولة المركزية فى نحو عام 3200 قبل الميلاد، كما سلف الذكر. وكانت القوة العسكرية فى عهد هذا الملك المؤِّسس تقوم على توحيد أرض مصر تحت قوة واحدة وتحت راية واحدة والدفاع عن الحدود المصرية ضد أى عدوان خارجى، مع بسط نفوذ مصر فى الجنوب فى بلاد النوبة وفى الشمال الشرقى فى بلاد الشام.

---

مدير متحف الآثار−مكتبة الإسكندرية

[email protected]