رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

تشهد مصر والعالم أجمع فى هذه الأيام فعاليات «منتدى شباب العالم» فى نسخته الرابعة والتى تعد خطوة من خطوات الريادة والإبداع المصرى على المستوى العالمي.

ولا شك أن الاعتناء الجاد بالشباب يعد ركنًا أساسيًّا فى بناء الدول واستمرار تقدمها وازدهارها، فإن حركة البناء والتعمير، والحماية والقوة، لا تقوم إلا بسواعد الشباب.

والناظر فى سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد هذا الاعتناء البالغ بالشباب، حيث إن دعوته المطهرة اعتمدت عليهم، فكانوا حملةَ الرسالة، وكتَّابَ الوحي، ورواةَ السنن، وحماةَ الدين، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يحرص على إعدادهم وتأهيلهم من شتى الوجوه، فقاموا بحمل أمانة الدين خير قيام، وصاروا أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام.

فبيَّن صلى الله عليه وسلم أن الشباب من النعم الجليلة التى يُسألُ عنها الإنسان يوم القيامة سؤالًا خاصًّا، وما ذلك إلا لبيان أهمية هذه المرحلة ووجوب استثمارها.

وفى المقابل بشر الحبيبُ المصطفى صلى الله عليه وسلم الشبابَ المتمسك بإيمانه بالفوز فى الدنيا والآخرة، حيت قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» فذكر منهم: «وَشَابٌّ نَشَأَ فِى عِبَادَةِ رَبِّهِ» فهذه المنزلة العظيمة يوم القيامة مختصة بمن مزج قوةَ الشباب بنور الإيمان. وقد مدح الله تعالى الشبابَ الذين أرادوا الصلاحَ والإصلاح، سرد علينا قصتَهم العطرةَ تكريمًا لهم، فقال سبحانه: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى» {الكهف: 13}.

فكان صلى الله عليه وسلم حريصا على غرس القيم فى نفوسهم وتحقيق الأمن الأخلاقى والاجتماعى لهم لأنها المنطلق الصحيح لسلوك الشباب، ومن ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».

كما حثهم صلى الله عليه وسلم على الاعتناء بالعلم والمعرفة، فكان يقدم المتميز منهم فى العلم على من هم أكبر منهم سنًّا، وكان يغرس الثقة فى نفوسهم من خلال تأهليهم وتكليفهم بالمهام، مع دوام الملاحظة والعناية، فكان أول سفير فى الإسلام شابا فتيا وهو سيدنا مصعب بن عمير رضى الله عنه، حين كلفه النبى صلى الله عليه وسلم بهذه الوظيفة وأرسله إلى أهل المدينة المنورة؛ ليكون معلمًا لهم وموجهًا، كما كلف سيدنا أسامة بن زيد رضى الله عنه وهو ابن ثمانيةَ عشر ربيعًا بقيادة الجيش، وكان فى هذا الجيش جماعة من كبار الصحابة المبشرين بالجنة. والأمثلة الدالة على هذا الاعتناء فى القرآن والسنة كثيرة جدا.

ومن هذا المنطلق نرى أن إقامة هذا المنتدى العالمى للشباب يُعد آلية إبداعية رائدة فى الاعتناء الجاد بالشباب، اعتمادا على مبدأ بناء الوعى والثقافة على مستوى عالمي، والإعداد العملى لتحمل المسئولية فى ضوء الإيمان بالمبادئ والاطلاع على ما عند الآخرين، لتبادل الخبرات، والاستفادة من التجارب المختلفة، وتعزيز سبل التعاون.

كما أنه دليل على أن شبابنا جدير بالثقة وقادر على تحمل المسئولية، فهى رسالة إلى الشباب بأنه قادر على الإبداع والإنتاج من خلال اكتشاف الذات ومواكبة المستجدات من خلال التفاعل المباشر مع عقول شباب العالم أجمع، ولا شك أن ذلك يجعل شبابنا قادة للغد عن جدارة وبصيرة نافذة بكل ما يتطلبه الواقع المحلى والعالمى من متطلبات ومعالجات.

وهذه الصبغة العالمية للمنتدى من خلال هذه الوفود، ومن خلال إقامته فى مدينة شرم الشيخ التى صارت (أيقونة) لاحتضانه، تؤكد أن مصر تحرص على تعزيز قيم التعدد والتعاون والتسامح بين الشعوب، مع الحفاظ على الثوابت، وتجعل هذه القيم من المكونات الأساسية لشباب اليوم والغد، وهذا يوضح أن مصر تعد أبناءها دائما بقيَمٍ تجعلهم رسلَ سلام ونماذجَ صادقة للتعايش الإنسانى الراقي، فهو بيان عَمَلى واضح على القيم والمبادئ التى ينشأ عليها الإنسان المصري.

كما يدل على تعزيز تلك المبادئ هذه الموضوعات المهمة التى يتناولها المنتدى، حيث يتناول الحديث عن المشروع القومى «الحياة الكريمة» التى تسعى الدولة فى تحقيقها لكل مواطن، ووضعُ الإنسانِ فى مستوى كريمٍ ما هو إلا تنفيذ لبيانٍ قرآنيٍّ عظيمٍ يُعلنُ الحقُّ سبحانه وتعالى فيه قيمةَ الإنسانِ عنده، فقال عز وجل: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ» {الإسراء: 70}. كما يتناول المنتدى حقوقَ البيئة لا سيما قضية التغير المناخي، مما يرسخ فى نفوس قادة الغد مسئوليتهم تجاه البيئة وأثر ذلك على سائر الكائنات التى تعيش على هذا الكوكب وليس الإنسان فقط، وكذلك المشكلات ذات الصلة كمشكلة المياه العالمية، والغذاء وكيفية الترشيد للحفاظ على موارد البيئة المحدودة. وهذا كله مما دعت الشريعة إلى الحفاظ عليه، ولأن الإنسان مأمور بالتعمير والإصلاح.

ومن أهم موضوعات المنتدى الحديث عن المرأة وحقوقها وكيفية تطوير سبل الاعتناء بها، فهى شريكة الرجل فى مسئولية صناعة الحضارة وتحمل أعباء الحياة، بل قد تفوق الرجل فى بعض جوانب هذه الأعباء، وإن حُسن اعتناء الشباب بقضايا المرأة على نحو جاد هو فى الحقيقة اعتناء بأبناء الغد ذكورا وإناثا، فهو اهتمام بالجيل كله وليس بالمرأة فقط.

أما جائحة كورونا، فقد أكد المنتدى على أنها كانت إنذارًا للإنسانية، وهى فى الوقت ذاته أمل جديد للحياة. وذلك يوجب على الشباب النظر فى سبل التعايش الجديدة مع هذا المتغير، وأهمية إرشاد الآخرين إلى سبل اكتساب المهارات المتنوعة فى سوق العمل سواء للخريج أو صاحب اليد العاملة، ونحو ذلك من المتطلبات التى فرضتها علينا تلك المتغيرات التى أثرت فى النظام العالمي.

وتعد القيم من أهم الموضوعات التى يتناولها المنتدى وكذلك مبادئ العيش المشترك، وهذا يعد الأساس الذى يبنى عليه كل مفردات التعامل الإنسانى فى مجالات التعليم والاقتصاد والسياسة وغيرها، ومن خلاله تسود روح الود والتآخى الإنساني، وقواسم العيش المشترك، التى تكفل للأجيال الأمن والسلم الدائم.

إن هذه المشاركة الواسعة من دول العالم فى هذا المنتدى لها دلالة واضحة فى إدراك الأهمية القصوى لهذه التجربة الرائدة، فقد شاركت الدول بصور متنوعة، فشاركت بشبابها الواعدين المتميزين، كما شاركت بالحضور الفعلى لبعض رؤساء الدول، أو بعض الوزراء والمسئولين، كما شارك بعض الرؤساء من خلال إلقاء الكلمات عبر الفيديو كونفرانس، وكل ذلك يؤكد التقدير والاهتمام لهذا المنتدى الفعال.

كما يؤكد الثقة فى أن الدولة المصرية تبنى نموذجًا متميزًا للدولة الجديدة، وهى فرصة جيدة ليعاين خبراء هذه الدول وشبابها إنجازات الدولة المصرية، وليس من رأى كمن سمع.

--

رئيس لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس الشيوخ

نائب رئيس جامعة الأزهر لشئون التعليم والطلاب (السابق)