رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

لا تزال فكرة أن الجماهير ليست دائماً على حق محلاً لدراسات فى العلوم السياسية والاجتماعية والنفسية، وباتت مجالاً لنظريات فكرية، تقدم الأدلة على صحتها، وتفسر ما يسمى «بالكتلة الحرجة» وسط الشعوب و«عقلية القطيع» التى تتحكم فى حركتها وتكوين مواقفها، وتؤثر فى تشكيل رأيها. والشىء المؤكد إجماع معظم تلك المدارس، على أن الجماهير غير المنظمة وغير الواعية، تشكل خطراً على مجتمعاتها.

وطبعاً لم تكن على حق، الجماهير الغفيرة التى حركها الطمع فى الربح السريع والشره للثروة، لوضع أموالها فى شركات توظيف الأموال. ولم تكن جماهير الألتراس على حق وهى تقطع الطرق وتحاصر أبنية النوادى، وتلقى الشماريخ الحارقة داخل الملاعب. والجماهير التى رفعت فى 25 يناير شعار هدم الدولة، لتعيد بناءها، فحرقت المجمع العلمى، وسهلت نهب الآثار من المتاحف، وإضرام النيران فى مبانى المؤسسات الرسمية، لم تكن على حق.

خلاصة القول إن معيار القياس لحق الجماهير من عدمه، يرتبط بموقفها مما يمكن أن نسميه المصلحة العامة، التى تحددها القوانين والدساتير، ويجلبها الخير العام.

من هنا فإن الجماهير التى تطالب بحقوقها، وترفض الالتزام بالقيام بواجباتها، وتجد دائماً من يمجدون سلوكها ويقدسونه ويهتفون باسمها، لا هى، ولا هم، على حق. وهنا الإشارة واجبة أن النازية والفاشية صعدتا للحكم فى أوروبا بهتاف الجماهير وحماسها وأصواتها الانتخابية، وهى نفسها الجماهير التى ساهمت فى صعود القوى الدينية فى منطقتنا، وجلبت القوى الشعبوية الرجعية والعنصرية لسدة الحكم فى كثير من دول العالم!

تذكرت كل تلك الوقائع أثناء متابعتى بدهشة واستغراب لمشهدين، الأول مناقشات مجلس النواب الفرنسى الرافضة لتصريحات «إيمانويل ماكرون»، وهى تصريحات اجتزئت من سياق عام، وتم توظيفها سياسياً فى الحملة الدائرة الآن للانتخابات الرئاسية، التى ستجرى فى أبريل القادم. وفى تصريحات لصحيفة «لوباريزيان» وصف «ماكرون» رافضى التلقيح بغير المسئولين وغير المواطنين وقال: أريد أن أنغص على غير الملقحين حياتهم.. لن أضعهم فى السجن ولن ألقحهم بالقوة، ولكنى أقول لهم لن يتمكنوا من الذهاب إلى مقهى أو مطعم أو قاعة سينما أو مسرح بدءاً من 15 يناير.

اتسمت تصريحات ماكرون ببعض الحدة، والتخلى عن بعض اللباقة الدبلوماسية، لكن من هاجموه دفاعاً عن الجماهير الفرنسية، تناسوا الجانب الآخر منها، وهو انزعاجه من أن أقلية تصل إلى 10% من الفرنسيين ممن يرفضون تلقى اللقاح، سوف يعتدون برفضهم على حقوق 90% ممن تلقحوا، ويهدمون جهود الدولة فى مكافحة الوباء، الذى تتكاثر أعداد ضحاياه، بزعم يتسم بالخلل، ويفتقد لصحة القياس، يتعلق بالدفاع عن الحرية الشخصة، أو ليس الدفاع عنها يقف عند حدود ما لا يضر بحقوق الآخرين؟

المشهد الثانى هو ما يجرى فى «الشارع الثورى» المنقسم فى السودان، الذى بات مخضباً بدماء القتلى والجرحى والمصابين. رفع الثوار صور رئيس الوزراء «عبدالله حمدوك» وعمدوه بطلاً شعبياً، حين تم عزله وتحديد إقامته. وهتف المتظاهرون باسمه وطالبوا بعودته، وحين عاد بتكليف من مجلس السيادة لتشكيل حكومة تكنوقراط، اتهموه بخيانة الثورة، وعرقلوا مساعيه لتشكيل حكومة تقود المرحلة الانتقالية حتى تسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة، وأجبروه على الاستقالة.

ويا أحبتى فى «الشارع الثورى» وداخل تحالف قوى الحرية والتغيير، لا تتجاهلوا الواقع، وأوقفوا الشعارات التى تمارس ضغطاً سياسياً على المتظاهرين، وتؤثر فى تشكيل مواقفهم وتدفع لمزيد من سفك الدماء، وأنتم أكثر الناس إدراكاً، أن التفاوض لا الصدام، هو السبيل للخروج من الأزمة السياسية الراهنة. وأنتم أكثر معرفة كذلك أن الثوار ليسوا دئماً على حق.