رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

هناك خلل واضح وخطير فى الثقافة المصرية وفى الشخصية المصرية المعاصرة. هذا الخلل تظهره حوادث من المفترض أنها صغيرة، وأحيانا تافهة، ولا تستحق من أى شخص أن ينشغل بها لحظة واحدة، فما بالكم لو انشغل بها جموع الناس وكأننا أمام مشكلة وجودية نقف حيالها ونصرخ صرخة شكسبيرية «نكون أو لا نكون».. آخر الوقائع المضحكة انشغال الكثيرين على مواقع التواصل الاجتماعى برد نجمنا العالمى محمد صلاح على سؤال الإعلامى عمرو أديب عما اذا كان يشرب الخمر أم لا.. اختلف جموع المغيبين حول اجابة محمد صلاح التى لم تتجاوز كلمتين «انا مبحبهاش» وامتعض البعض متسائلا بنطاعة المنقوع فى «براطيش التخلف»: لماذا لم يقل إنها حرام، والبعض الآخر رأى أن الإجابة كافية ولكن...!

ليست القضية فى السؤال ولا فى الإجابة ولا فى محمد صلاح، ولكن فى هؤلاء المتربصين لأى فرصة يظهرون معها مدى توحش الانهيار الثقافى والقيمى داخلهم.. المشهد المصرى على مستوى الثقافة الاجتماعية السائدة اليوم يوحى بأننا شعب آيل للسقوط أو الخروج من العصر ليقضى ألف سنة قادمة فى تيه جاهلية مفزعة.. جاهلية البعض فى القرن الحادى والعشرين تبدو لى مفزعه ومفجعة، لأنها سباحة ضد تيار التقدم الرهيب الذى يجتاح أماكن كثيرة بالعالم، ويغير بقوة من أحوال أمم، وينقلها من أوضاع الفقر للغنى، ومن حالات الضعف للقوة، ومن سراديب التخلف إلى آفاق التقدم وبلا حدود.. جاهلية القرن الحادى والعشرين تعد عداوة صريحة للعقل ولمكتسبات الحضارة الانسانية التى أتاحت بتراكماتها لنا ولغيرنا نهرا من فرص التقدم.

هذا النهر العظيم وهو نهر العلم والمعرفة واحترام العقل والتجربة، يجيد السباحة بنهر العلم من كان لهم حظ كبير من التطور – أما أمثال من ينقسمون حول رأى صلاح فى الخمر فهؤلاء «يتبولون» فى النهر ثم يشربون منه.. من أزعجهم أن صلاح لم يقل بحرمة الخمر، لم يزعجهم ولن يزعجهم يوما قضايا تتعلق بالعدل والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص.. ومازلت أعتقد إلى حد اليقين أن ما تبذله الدولة أو النظام السياسى من جهد فى تحقيق مستويات كبيرة من التنمية الشاملة، لن يغير حال مصر طالما بقيت هذه الثقافة الاجتماعية التى تعاند منطق العصر، وتتلحف بالدين، ولا تدرى أنها عارية من أى غطاء لأنها نسيت عقلها فى مقابر الأولين. لم ينشغل الرأى العام أو النخب مثلا بسجن المحامى والكاتب أحمد عبده ماهر – والذى أتمنى أن يصدر عفو رئاسى بشأنه- بتهمة ازدراء وتحقير الأديان قبل أيام، لأن قضية حرية الرأى للأسف ليست على أجندة أولويات هؤلاء، وربما ليست فى جيناتهم الثقافية من الأساس.

إن الأحق بالمحاكمة هم من يزدرون العقل، ويا ليت برلمانيا نحلم به، يتقدم بمشروع قانون بالحبس والتجريس والتقويم القسرى لمن يزدرى قولا أوعملا العلم والمعرفة والتجربة والبرهان.. مصر يا سادة تخطت عتبة المائة مليون نسمة ومقدر لها مع معدلات المواليد المرتفعة أن تصل إلى 400 مليون بنهاية هذا القرن.. السؤال الوجودى الذى يجب أن يقلقنا هو: هل مصر الدولة والشعب والأمة قادرة على الاستمرار فى ركب العصر الحديث متوحدة صامدة، أم بقاء واستفحال ثقافة الماضى يهددها بالانهيار والتحلل التاريخى – ولا قدر الله والجغرافى. مازلت أنتظر من الرئيس عبدالفتاح السيسى – وأعتقد أنه يستطيع – أن يتبنى سياسات تغييرية تتجاوز السياسات الترميمية.. الثقافة الاجتماعية السائدة يا سيادة الرئيس تحتاج لخلخلة، والمؤسسات الدينية القائمة تحتاج لجراحات تاريخية وليس تجميلية، ومؤسسات الفن والثقافة بحاجة إلى عقول ورؤى لإدارتها وليس موظفين مولعين بالضبطية القضائية « لقفش» مطرب متلبس بالغناء بدون تصريح، أو كاتب ضبط متلبسا بتعاطى الرأى الحر.. مصر يا سيدى الرئيس بحاجة لرجل لديه حلم، وأتصور أن لديك الكثير من مواصفات هذا الرجل.. والله معك.