رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

 

بعد خمسة أيام، وبالتحديد فى 11 ديسمبر الجارى نحتفل بالذكرى 110 لميلاد نجيب محفوظ أعظم أديب مصرى وعربى فى الألف عام الأخيرة على الأقل، فالرجل الذى ولد فى 1911 ترك لنا 35 رواية، فضلا عن 20 مجموعة قصصية ومسرحية وكتابًا مترجمًا واحدًا هو (مضر القديمة) أصدره سنة 1932، أى وعمره 21 عامًا فقط.

تمتاز التجربة الثرية لهذا الرجل الفذ فى كونه من عمل على تأسيس فن الرواية العربية فى قالبها الكلاسيكى بعد صدور مجموعة قليلة من الروايات للذين سبقوه مثل (زينب 1914) لمحمد حسين هيكل، و(عودة الروح 1933) لتوفيق الحكيم، و(دعاء الكروان 1934) لطه حسين، إذ وثب محفوظ بفن الرواية الكلاسيكية وثبات مدهشة، الأمر الذى منحها القدرة على الثبات والحضور فى عالم الأدب، حيث تدفقت رواياته الواقعية تباعًا بداية من (القاهرة الجديدة 1945) حتى ثلاثيته موفوة الصيت (بين القصرين وقصر الشوق والسكرية 1965/ 1957) مرورًا بأعماله الفاتنة (خان الخليلى/ زقاق المدق/ السراب/ بداية ونهاية).

صحيح أنه استهل مشواره مع الرواية بكتابة ما يسمى الرواية التاريخية، فترك لنا منها ثلاث هى (عبث الأقدار 1939/ رادوبيس 1943/ كفاح طيبة 1944)، لكنه سرعان ما هجر هذه المنطقة الموغلة فى القدم ليغزو الواقع المصرى الحديث بتعقيداته وتناقضاته، فهناك احتلال إنجليزى غشيم، وهناك ظلم اجتماعى مشين، وهناك فساد سياسى بائس مقترن بفساد أخلاقى فاق الحد.

فلما قفز إلى السلطة جمال عبدالناصر والذين معه سنة 1952 توقف محفوظ عن كتابة الروايات نحو ست سنوات (أنهى كتابة ثلاثيته الشهيرة فى 1952)، ظنًا منه أن الحرية قادمة والعدل فى الطريق، فجوهر إبداع محفوظ يتكئ على الحفاوة بهاتين القيمتين الساميتين: الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية. لكنه اكتشف فى 1958 أن الأحلام أبعد من الواقع، وأن الآمال مازالت تتعثر، فعاد إلى صومعته الأثيرة، وكتب لنا تحفته الخالدة (اولاد حارتنا 1959)، ثم انهمرت الروايات وفق منطق جديد ينهض على التجريب والتأمل وابتكار تقنيات مختلفة فى الكتابة، وهكذا تلقى القراء بكل مودة واندهاش أعمال مثل (اللص والكلاب 1961)، و(السمان والخريف 1962)، و(الطريق 1964)، و(الشحاذ 1965)، و(ثرثرة فوق النيل 1966)، و(ميرامار 1967) وغيرها حتى وصلنا إلى أعظم رواية عربية كما أتخيل وهى (الحرافيش 1977).

المدهش أنه استدار فى 1985 إلى الوراء قرونًا عددًا وأبدع لنا أعجوبة روائية آسرة هى (العائش فى الحقيقة) التى تتناول بذكاء إخناتون وعصره واضمحلاله.

وفى 1988، وحين أعلن فى 13 أكتوبر عن فوزه بجائزة نوبل للآداب كانت جريدة الأهرام تنشر له كل جمعة فصلًا عن آخر رواياته وهى (قشتمر)، حيث كنت أهرع فجر كل جمعة لابتياع الأهرام والتزود بما يجود به نجيب من فنون الرواية، لكنى لم أكن أعلم ساعتها أن الرجل سيتوقف نهائيًا بعدها عن كتابة الرواية، ثم يتعرض لمحاولة اغتيال خسيسة، فيكتفى بتدوين (الأحلام والأصداء).

اللافت فى المشروع الروائى السخى لصاحب (ليالى ألف ليلة 1982) أنه حرص أشد الحرص على تبجيل اللغة العربى الفصحى فى جميع رواياته، حتى الحوار بين الشخوص، مهما كان مستواها الثقافى أو الاجتماعى، كان يصوغه هذا الفنان الماكر بلغة فصيحة رشيقة عذبة لا تعكرها جملة عامية غليظة أو خشنة، رغم أنه لجأ فى مرات قليلة للغاية إلى استخدام بعض المفردات العامية.

فى 1999 قررنا فى مجلة (الصدى) التى كنت أتولى رئاسة القسم الثقافى بها أن نصدر سلسلة من الكتب هدية للقراء، فأطلقت على أول كتاب اسم (نجيب محفوظ... قيصر الرواية العربية)، ثم استخدم آخرون بعد ذلك هذا الوصف الباذخ نفسه دون أن يذكروا أول من أطلقه!.