رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

استمرار مسلسل ضحايا الرأى فى تاريخ مصر القديم والحديث دليل على أن مقاومة التغيير أكبر وأقوى مما نتصور . وبين مفرمة السياسة والدين والجنس ذهب كثيرون إلى الجحيم تحت عنوان مزيف للاتهامات التى تتراوح بين تهديد السلم الاجتماعى، وازدراء الأديان والتجديف ضد التقاليد والأعراف. المتأمل للحالة المصرية التى تجرم الرأى سيجد زواجا تاريخيا بين سلطة ترفض التفريط فى عصا الطاعة، ومجتمع يرفض التفريط فى عصا التراث. من وجهة نظر كثير من المفكرين أن الرأى لايجرم لأنه يمثل موقفا لا إراديا بمعنى أن الرأى ليس اختيارا وإنما هو انحياز لا إرادى يميل إليه صاحبه، ثم يتبناه ويدافع عنه.. ودليل لا إرادية الرأى أننا لانعرف على وجه اليقين لماذا مثلا نشجع ناديا رياضيا بعينه ومتى بدأ الانحياز الفعلى لهذا النادى دون باقى الأندية. كذلك لايعرف الواحد منا على وجه التحديد كيف ومتى انحاز لمبادئ عامة مثل الحرية والعدل والمساواة – أو كيف ومتى انحاز ضد هذه المبادئ. لماذا أحب هذا دون ذاك، ولماذا أفضل هذا الطريق وليس غيره.

تهمة ازدراء الأديان من التهم المهينة لأى مجتمع وتضعه فى قائمة المجتمعات الأكثر تخلفا وجهلا بحقائق الأديان وكيفية النظر اليها.. التهمة بحد ذاتها فيها استباق للإرادة الإلهية التى تقول بمبدأ الحساب والعقاب، وتمنح الإنسان الحق حتى فى إنكار المعتقد الدينى جملة وتفصيلا. وإذا كان الرأى لايجرم حسب ما تقدم من تصور بأنه موقف لا إرادى فإن ما يجرم هو الفعل وليس الرأى. بين الرأى والفعل مسافة تزرعها المجتمعات المتخلفة بالألغام فتقضى على جسارة الفكر ويتحول العقل معها إلى صندوق تخزن به الأفكار القديمة ولايسمح بفتحه إلا لحشو مزيد من الثابت والراكد منها. الحكم بسجن صاحب رأى بتهمة ازدراء الأديان لايختلف فى جوهره ومعناه عن النظرة الاحتقارية والتجريمية لامرأة غير محجبة، ولايختلف فى جوهره ومعناه عن تجريم حتى العلاقات العاطفية العلنية بين شاب وفتاة، وغض الطرف عنها فى حال سريتها.

مواجهة الرأى بالرأى أقوى سلاح أمام كل مظاهر التطرف فى أى مجتمع، والمجتمع المصرى اليوم بالثقافة السائدة بين جموع أفراده هو مجتمع تتحكم به أعراف وموروثات الماضى على حساب احترام قيم التفكير العلمى، مما جعل رموز السلف أقوى تأثيرًا على بنية العقل الجمعى المصرى من كل منجزات العلم المتراكمة خلال الخمسة قرون الأخيرة على الأقل.. التطرف لايمكن حصره فى من يواجهون الدولة بعنف الفعل أو الفكر. الأخطر من هذا اللون من التطرف أن تسود ثقافة إقصائية متجذرة بنفس القوة فى عقل معظم العامة ومعظم النخب، لأن المنتج الأخير لهذه الحالة هى هذا المجتمع الذى نعيشه ونراه ونتأمل قدر التناقضات الرهيبة فى بنية أفكاره ورؤاه وموقفه من الحياة ككل.. حتى عالم الغناء والموسيقى– وبدلا من التفرغ للإبداع وإظهار ألف سيد درويش وثومه وحليم وعبد الوهاب وفيروز والسنباطى وغيرهم، لبست نقابة الموسيقيين ثوب المؤسسة الأمنية وتفرغت للطنطنة بمطاردة شباب يغنى فى الفنادق والحوارى اعتقادًا بأنهم يصدحون بما لايليق بالمجتمع. للأسف فكرة الإقصاء وطبائع الوصاية تغطى خارطة الوطن ما بين تجريم المخالف لمعتقدات السماء، وصولا للمخالف من مهرجانات الغناء.

المؤسسة الدينية الرسمية فى مصر الممثلة فى الأزهر الشريف لاتتدخل لإنصاف صاحب رأى لأن وظيفتها التى ارتأتها لنفسها منذ أكثر من ألف عام أنها حارسة التراث وخفير لمقابر الأولين. هذه الوظيفة تنال من الأزهر ولا تضيف له، لأنها توصمه بصفات أمنية وليست فكرية أو ثقافية. كذلك الهيئات الممثلة لأصحاب الرأى من الكتاب مثل النقابات واتحاد الكتاب ووزارة الثقافة، والمجلس الأعلى للثقافة – كل هذه الجهات تصمت أمام فعل إسكات العقل ومصادرة رأى سلمى اختلف صاحبه مع المستقر من أفكار أقرب للأوهام لدى مؤسسات تملك قوة الوصاية والتفتيش فى الضمائر والعبث بفضيلة كبرى خص بها الخالق الانسان دون سواه من المخلوقات.. فضيلة العقل.