رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بهدوء

 

 

 

كم فيك يا مصر من المضحكات، ولكنه ضحك كالبكاء، هكذا قلت لنفسى حين قرأت على فضاء الانترنت خبر قيام أحد أساتذة الفلسفة بتسجيل موضوع للدكتوراه عن نفسه، وأنه قام بالإشراف على الطالب المذكور، وأن الطالب قد انتهى من الرسالة، وأن الأستاذ المشرف شكل له لجنة الحكم والمناقشة، ليكون هذا الأمر حدثًا جللًا فى تاريخ الجامعات المصرية فى أن يكون الأستاذ المشرف هو نفسه موضوع الرسالة، فكيف يمكن أن يوجه الأستاذ المشرف طالبا مسجلا موضوعه عنه؟ وهل يستحق الأستاذ المذكور أن تسجل عنه رسالة دكتوراه؟ وأين دور المجالس الجامعية التى وافقت على هذا الأمر؟ وأين هى من أستاذ وضع نفسه فى مصاف الفلاسفة العالميين؟ ولكن كم الجرائم ترتكب باسم موافقة المجالس الجامعية ؟

إن هذا الأمر السالف يطرح بقوة واقع الدراسات العليا فى مجال العلوم الانسانية فى جامعات مصر الحكومية إذا أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا، وراغبين فى الإصلاح فى هذا المجال، ولكن فى البدء لابد أن نقر بأن كليات العلوم والهندسة فى معظم جامعات مصر هى التى تزدهر فيها الأبحاث، وأن هذه الكليات هى التى ترفع تقييم وتصنيف الجامعات المصرية عالميًا بنشر أبحاثها فى دوريات علمية معترف بها، وبالمقابل فإن هناك حالة انهيار وتردٍّ واضحة فى مجال البحث العلمى فى العلوم الانسانية، وذلك أن رسائل العلوم الإنسانية ليست أكثر من جمع داتا علمية على طريقة القص واللصق بلا رؤية ولا مشكلة ولا منهج، ولذا أصبح البحث العلمى فى هذه المجالات لا يضيف إلى تراكم البحث فى هذه المجالات من ناحية الكيف.

وقد أصبحت الدراسات العليا فى المجالات الإنسانية مرتعا للفساد، وسرقة الأبحاث والرسائل، كما أن مجالات العلم الإنسانى كانت قبلة للوافدين من بلاد الخليج واليمن وليبيا، للحصول على الدرجات العلمية بأبسط جهد، ورغم تيسير الجامعات للطلاب الوافدين الدراسة فى مصر بحثا عن توفير عملة صعبة للجامعات، فقد أدى التساهل فى منح الدرجات العلمية لهم، وانتشار الفساد فى منح الدرجات، إلى تشويه سمعة مصر ودرجاتها العلمية، والتشكيك فى قيمة الدرجات العلمية الممنوحة فى مجال العلوم الإنسانية، وبعد حصول هؤلاء الوافدين يعودون إلى بلادهم بالدرجة العلمية، ينظر إليهم أهل وطنهم أنهم عادوا إلى بلدانهم من مصر كما جاءوا لا تغيير فى عقولهم، ولا معارفهم، ولا شخصياتهم، وهو ما جعل أهل وطنهم ينظرون إلى رسائلهم ودرجاتهم العلمية على أنها مجرد ورقة بلا مضمون، وقد اتخذت بعض دول الخليج قرارا لأبناء وطنهم - مثل العراق والكويت- بأن على طلابهم التوجه للدراسة فى مصر فى ثلاث جامعات فقط هى القاهرة وعين شمس والأزهر.

وفقدت العديد من جامعاتنا الإقليمية سمعتها، وهى تبحث عن العملة الصعبة من عائدات دراسة الوافدين فيها فى مجالات العلم الإنساني، وكان لهذا الأمر نتائجه الوخيمة على إعارة أعضاء هيئة التدريس إلى بلدان الخليج، فقد باتت هذه الدول تشترط فى اعلانات التوظيف لأعضاء هيئة التدريس أن يكون العضو حاصلا على الدرجات العلمية من الجامعات الغربية، وهو ما أدى إلى تصفية الجامعات المصرية فى مجال العلوم الانسانية من أكثر وأقوى العقول الحية فيها، وكان هذا وبالا على تلك الكليات.

ولذا فإن تطوير واقع الدراسات العليا فى مجالات العلم الإنسانى بات أمرا ضروريا وملحا، فهذا القطاع لا ينبغى على الدولة أن تدعمه، فالطالب لابد أن يتحمل نفقاته الدراسية كاملة، وأن تقدم الجامعات منحا دراسية للطلاب النابغين الذين يعجزون عن تسديد المصاريف الدراسية، وأن يمتلك الباحث فى التخصص الذى يريد البحث فيه أدواته العلمية والمعرفية.