عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

 

 

 

(قالوا إن الطبيب منعه من لقاء الناس... وهو مقعد فى بيته لا يتحرك لسانه إلا بعسر وببطء، فتأسفت وتأثرت لما سمعت، ولكن لماذا لا أخاطبه رأسًا؟ وتسلمت الهاتف وأدرت القرص 582818... ألو... أهلا... منزل أستاذنا الدكتور طه حسين؟ نعم، نريد موعدًا مع الدكتور. من سيادتك؟ على مصطفى المصراتى الكاتب الليبى).

أجل... هذا رقم فيلا طه حسين سنة 1972، وهذا ما دوّنه الكاتب الليبى الكبير الأستاذ على مصطفى المصراتى المولود عام 1926، أطال الله فى عمره، أما الحكاية فإليك قبسات من تفاصيلها.

فى عام 2008، كنت أدير تحرير مجلة (دبى الثقافية) التى أسستها مع الشاعر الإماراتى الكبير الأستاذ سيف المرى، وقررت أن نحتفل فى شهر أكتوبر من ذلك العام بذكرى مرور 35 سنة على رحيل عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين بوصفه أهم مثقف مصرى وعربى فى الألف عام الأخيرة كما أظن. لذا طلبت من زملائى مراسلى (دبى الثقافية) فى جميع العواصم العربية، وبعض العواصم الأوروبية المهمة أن يبحث كل واحد منهم عن علاقة طه حسين بالبلد الذى يراسلنى منه، كما رجوت جمع كُتّاب المجلة المنتظمين أن يخصصوا مقالاتهم لهذا الشهر عن صاحب (الأيام).

هكذا انهمرت على مكتبى معلومات مذهلة عن تأثير طه حسين الجبار فى البلدان العربية وشعوبها، وكيف كان الرجل محط إعجاب الجميع وتقديرهم، وقد نشرتها كلها بتفاصيلها المدهشة، ولك أن تعرف أنه ذهب إلى تونس عام 1957 بدعوة من رئيس الوزراء الحبيب بورقيبه الذى استقبله بنفسه على مدخل الجامعة الزيتونية، حيث وصفته الصحافة التونسية آنذاك هكذا: (طه حسين أعجوبة القرن العشرين) كما كتب لنا مراسنا فى تونس الأستاذ الحبيب الأسود.

المهم نعود إلى الحوار النادر الذى أجراه الأستاذ المصراتى مع العميد فى فيلته، فنقرأ ما يلي: (ويعود صوت السكرتير محددًا موعد الدكتور طه... غدًا الثلاثاء 8 مايو فى المنزل الثانية عشرة ظهرًا. السيارة تتوجه إلى منطقة الهرم... شارع حلمية الهرم... محطة مدكور.. الشارع الجانبى مترب غير منسق، لكن الفيلا التى أطلق عليها الدكتور «رامتان» هادئة جميلة من طابقين.. كان السكرتير فى الانتظار فى الصالة.. ذوق فرنسى أنيق.. لمسات فنية فى مدخل الحديقة الصغيرة ذات الزهور وفى الأثاث واللوحات والمكتبة التى انتظرت فيها لحظات.. وغاب السكرتير لحظات.. ثم عاد لنصعد معًا الطابق الثانى حيث كان يجلس الدكتور طه على مقعد كبير من الجلد وقد غطى رجليه ببطانية ومد يده مرحبًا بالسلام.. أب شفوق.. عالم أديب غير متجهم الوجه ولا كشر.. بل تعلوه الابتسامة الحلوة، ولكن الشيخوخة تزحف والسن تتقدم.. هو ينبوع يتدفق.. ثروة لهذه الأمة، لكنه لا يستطيع الوقوف.. هذا المناضل العملاق الذى وقف فى وجه الأعاصير والزوابع).

وتنهمر الأسئلة على الأستاذ العميد، فيجيب: (أكثر كتبى التى أعتز بها هو «على هامش السيرة»)، و(العقاد كاتب متقن.. عصامى الثقافة)، و(نجيب محفوظ ويوسف السباعى كتبوا قصصًا لا بأس بها، لكنهم ركنوا إلى الصمت)، و(توفيق الحكيم فى حاجة إلى أن يقرأ ويقرأ ويقرأ)، و(يوسف إدريس أراه أضاع نفسه.. لأن العامية ليست شيئًا يذكر، وكذلك كل ما يُكتب بغير اللغة الفصحى) و(كل هذا مصدره الكسل.. إن الشباب لا يدرسون اللغة الفصحى كما ينبغى.. ورأيهم أن يتحرروا، ولذلك يحبون أن يكتبوا بالعامية كما يشاؤون.. فليكتبوا فليكتبوا فلن يقرأ لهم أحد)، و(التعليم قبل كل شيء.. تعليم اللغة العربية فى المدارس والجامعات فيه تقصير شنيع).

الحوار طويل وثرى، وبعد 17 شهرًا رحل الأستاذ العميد بعد أن قهر الظلام وأنار لنا طريق العقل.