عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لكى نعرف حجم وقيمة بلد ما، علينا أن نسأل: ما هى القضايا التى تشغل الرأى العام فى هذا البلد، وبقدر جديتها نستطيع التفاؤل بمسار الركب، أو نتشكك فى أنه يسير بالاتجاه الصحيح.. ومع تنوع وتعدد منافذ الاتصال والتواصل فإن القضايا التى تطفو على السطح وتشغل الناس عادة ما يكون مصدر طرحها من يقفون بتلك النوافذ بالصوت والصورة، يصبون فى أدمغة الناس ما يحلو لهم من ماء الورد أو ماء النار.. ومن يتأمل نافذة مثل القنوات التليفزيونية الفضائية فى مصر يأخذه العجب أنه ربما لا يوجد فى العالم– باستثناء أشباهنا من الدول– برامج عبارة عن منبر يعتليه مذيع- بحمالة أو ربطة عنق- يخطب فى الناس لساعة وأحيانًا لساعتين بمفرده.. وربما يقول البعض إنها برامج جماهيرية ولها متابعوها.

المشكلة الكبرى فى سلعة الفكر والثقافة- لو جاز التعبير- أنها سلعة غير محسوسة وتتسلل للعقل والوجدان مثل التيار الكهربائى الذى يجرى فى إسلاك مدفونة بالجدران، ولكننا فى الأخير نرى النور ولا نرى التيار أو نلمسه، ولو لمسناه صعقنا. خطورة ترويج الأفكار الخبيثة والتافهة، وشغل الناس بالقضايا الرخيصة، أنها– مثل التيار الكهربائى– لن نلمس ما يحدث ولكننا سنفاجأ ليس بالنور– هذه المرة– ولكن بمجتمع مظلم ومغيب ومكتئب وتائه وبلا هوية، وبلا أمل.. فى أسبوع واحد شغلنا شيوخ الفضائيات من مشاهير الحمالات وربطات العنق بقضية الصيدلى الذى يستغل وقت فراغه المستقطع بالصيدلية التى يعمل بها فى قراءة القرآن، والقضية الثانية كانت من نصيب اللاعب محمد أبوتريكة ولماذا يحتفل ناديه– النادى الأهلى– بعيد ميلاده. المحزن أنه فى نفس الأسبوع الذى استمرأ فيه أصحاب البيزنس من شيوخ الإعلام شغل الناس بهذه الأمور، كانت مصر الدولة تحضر قمة المناخ فى جلاسكو ببريطانيا، والرئيس السيسى يلتقى بأكبر قادة العالم، ويطلب فى كلمته أمام القمة 26 للمناخ أن تستضيف شرم الشيخ القمه العالمية القادمة. وكانت مصر الدولة أيضًا تبرم اتفاقًا مهمًا مع إسرائيل يتجاوز نصوص كامب ديفيد، بزيادة عدد القوات المصرية بالمنطقة الحدودية– المنطقة ج– كل ذلك كان يحدث نهارًا، وما أن يرخى الليل سدوله إلا وتخرج الثعابين والأفاعى لتبث سمومها فى عقول وعيون الناس بلا خجل أو رحمه.. الذى يقول كيف يحتفل الأهلى بعيد ميلاد لاعب كبير وشهير. أما شيخ القاهرة والناس الذى ضيع من وقت متابعيه أكثر من ساعة ساخرًا من الصيدلى الذى يشغل نفسه أحيانًا بقراءة فى المصحف الشريف– فأنا أساله، لو أنك بالفعل مشفق على صيدلى كان يجب أن يستغل كل لحظة من وقته للبحث فى علوم الداء والدواء– فلماذا لا تفعل أنت ذلك يا سيدنا وتلتزم بمعايير الإعلام المهنى، وبضمير المصرى المخلص لبلده وتأخذ الناس معك كل ليلة لقضايا اجتهدت وبحثت لتوثيق حقائقها، وأضفت للناس الكثير مما كان غائبًا عنها.. لماذا لم تسأل نفسك لحظة: ماهى القضايا التى تطرحها البرامج الجماهيرية فى محطات التليفزيون الأمريكية والأوروبية.. أعرف أنك لم تسأل نفسك لأنك ربما لن تحتمل صراحة الجواب، الذى سيصدمك بأن ما يقدم هناك فيه احترام للمشاهد ولتاريخ الوسيلة الإعلامية، أما ما يقدمه شيوخ البيزنس الفضائى– فإنه خليط من التهريج المشبوه فى مقاصده.. أنا شخصيًا لست من دراويش أسلمة المجتمع، ولا من مهاويس التدين الشكلى، وبينى وبين كل تيارات الإسلام السياسى جفاء يملأ البحر. أتمنى على الدولة المصرية أن تفيق إلى حقيقة أن ما يحدثه أباطرة الإعلام (كما يرون أنفسهم وليس كما أراهم) من دمار فى المجتمع يفوق ما تحققه الدولة من بناء كبير (هكذا أراه وتراه الدولة ).. لو لم نتدارك خطورة واحتمالية فتنة كبرى بيد عمرو أو زيد أو إبراهيم فإن العواصف آتية، وأكاد أشم رائحتها.. حاجتنا إلى تنظيف الخطاب الإعلامى من روث النوايا وصبيانية الهوى، تفوق حاجتنا إلى تجديد الخطاب الدينى رغم تخلف الأخير وتحجره.