رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ضوء فى آخر النفق!

 

 

 

-«انسف حمامك القديم»!كانت هذه جملة شهيرة وردت فى أحد اعلانات شركات بيع السيراميك. العزف على وتر الاستهلاك.. وزيادة المبيعات للمنتجات الجديدة  يداهمنا- ولا أقول يفاجئنا- كل لحظة. التسليع والبيع والشراء بات سمة المجتمع. كل شىء أصبح معروضًا للبيع.. ولا حديث  للناس فى هذا البلد إلا عن الفلوس.. ورصيد الشحن (هواتف وانترنت) والفواتير: المياه وغاز وكهرباء.. ورسوم الطرق.. والرسوم الباهظة لدخول النوادى، والأسعار «اللى بقت ولعة..والغلا  والكوا واللحمة أم ١٥٠ جنيها.. الحديث عن الزيت الذى ارتفع سعره.. ورغيف العيش الذى انخفض وزنه.. والعروس والنيش..  والشبكة والمهر  اللذان بلغا  مئات الألوف من الجنيهات.. والعمال الذين افلست شركاتهم ولم تسدد مستحقاتهم، والتأمينات التى تقاضت قيمة الأقساط المطلوبة شهريا من المنبع (المؤسسات أو الشركات)، ومع هذا فإن رحلة صرف المستحقات التأمينية لابد أن تستغرق وقتًا طويلًا ومجهودًا هائلًا.. الخ كل هذه القائمة.. كلها  قائمة فلوس.. ومصاريف.. وتكاليف المعيشة ..فضلا عن ارتفاع مصاريف مدارس لاتقدم شيئا لتلاميذها وطلابها.

كل هذا جعل حديث الفلوس يتقدم ويسود على ما عداه.. أصبح «سعر الحياة» هو الغالب على حياة الناس وأحاديثهم اليومية. «ناس مش لاقية تأكل لكنها مشغولة بتجهيز نيش العروسة بمئات الأطباق الكريستال.. والأركوبال والملاعق والشوك الفضية أو ما شابه. ناس لاتجد عملا ثابتا لكنها تحرص على شحن الرصيد فى تليفوناتها أكثر من حرصها على ارتداء قميص نظيف وياقته غير متسخة. مجتمع تم تسليعه وبات تفكيره فى نسف حمامُه  القديم له أهمية وأولوية قصوى.

حمى الشراء رغم العوز والفاقة.. سعار البحث عن الثراء بأى شكل..حديث الناس عن الفلوس بكل هذا الجنون جعلنا نعيش مجتمعًا صعبًا وقاسيًا يفتقد إلى الحميمية والتعاملات الإنسانية. التوحش الذى نشعر به فى التعاملات اليومية مع الباعة ومع قادة سيارات الميكروباص.. وسائقى التكتوك.. وما شابه ذلك يقطع يقينًا بأن التحول الذى طال الشخصية المصرية يستحق الدراسة والبحث عن حلول. يحدث هذا كله فى غيبة من الحافز على ترسيخ قيمة الضمير الحى.. والعمل المتقن..والتحلى بالخلق القويم. تراجعت قيم المجتمع المصرى بكل إنسانيته وظهر منها ما توحش وتجبر. صعوبة الحياة وقسوتها تجبرنا على نسف كل قيمنا الطارئة علينا..قيم الاستغلال واللهاث خلف المال..والتى تلقى بظلالها على حياتنا اليومية حتى أفسدتها وأفرغتها من مضامينها الإنسانية بحاجة إلى مواجهتها بقيم أخرى..

ولكن كيف سيحدث هذا والمجتمع كله بات هكذا.. ومثل هذا الحديث أصبح نشازا، وربما يعرض عنه من تقع أعينه على سطوره؟

أتصور أن المجتمع مثلما يفكر فى نسف حمامه القديم.. يجب أن يفكر فى نسف قيم حياته التى يعمل بها حاليًا والتى يصر عليها رغم أنها تؤرقه ورغم أنه يشكو منها مر الشكوى. فالجزار مثلاً يقول لزبائنه ان اسعار المواشى ترتفع مبررا  بهذا رفعه لسعر بيع كيلو اللحم بأكثر مما ينبغى.. وهكذا يفعل الآخرون لدى بيع منتجاتهم.. هذا يرفع سعر السيراميك وذاك يرفع سعر السيارة والثالث يرفع سعر قطع الغيار.

الشيء الوحيد الذى لايرتفع سعره هو البنى آدمين.. وتلك هى المأساة الحقيقية.