عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

ليس موضوعنا الجدل الدائر بين من يجيزون نقل كلية الخنزير للإنسان، وبين من يحرمون ذلك شرعا بادعاء نجاسة الخنزير.. الحقيقة إننى أحاول قدر جهدى وفهمى وقناعاتى أن يكون ما أطرحه اليوم محاولة لفك طلاسم اشكالية الصراع بين الدين والعلم.. المسألة بالطبع قديمة قدم الأديان السماوية، وكم ذهب من العلماء الذين انشغلوا بمحاولات فهم الطبيعة من حولهم ضحايا التكفير والزندقة بداية من عالمة الرياضيات والفيلسوفة هيباتيا السكندرية (370 ميلادية) مرورا بجاليليو وكوبرنيكس وصولا إلى فرج فودة ونجيب محفوظ.. من المهم أن نشير إلى حقيقة أن التيار السلفى المتمسك بأصول النص الدينى والحالم بمثالية عصور النبوة، ليس حكرا على المسلمين، بل الحقيقة أن اشكالية الدين والعلم عند المسلمين كانت ولاتزال آخر أشكال التصادم، ولكن ما ننفرد به فى عالمنا المعاصر، أن المواجهة لاتزال قائمة منذ اكثر من عشرة قرون وتزداد حدة وتعقيدا بالتوازى مع تطور العلم الحديث فى حين تحرر الآخرون من رجس هذا الصدام.

الحقبة التاريخية التى تطورت خلالها الحركة العلمية والفكرية خلال حكم الخلفاء العباسيين، وتحديدا هارون الرشيد والمأمون هى ذاتها التى شهدت حرية البحث والنقل والترجمة، ومع بداية عهد المعتصم حدثت الانتكاسة المعروفة لحرية الفكر والبحث والاعتقاد. الحياة الفكرية بشكل عام بما فيها الفكر الدينى السائد ساعدت على خلق حركة علمية شارك فيها رجال الدين انفسهم ببحوثهم واجتهاداتهم- مثلا حقق عمر الخيام (1048-1131) شهرة واسعة فى مجالات شملت الشعر والفلك والجغرافيا والمعادن، والفارابى (872-ق. 950)، الفيلسوف السياسى قام بدراسة النظرية الموسيقية، والعلوم، والرياضيات، والأندلسى ابن رشد (1126–1198) كتب فى الطب، والفيزياء، وعلم الفلك، وعلم النفس، والفقه، والموسيقى، والجغرافيا، فضلا عن تطوير علم اللاهوت الفلسفى المستوحى من اليونانية.

التعارض الظاهر بين الدين والعلم يتحمل مسئوليته المؤسسات الدينية التى اقحمت رجالها فى شئون العلم والحياه، متجاوزة دورها الدعوى الذى كان بحكم تطور العصور وتبدل الأحوال عليه ألا يغادر دور العبادة. شارع الحياة ملك للناس وليس من شأن رجل الدين أن يقتحم معامل الكيمياء والطبيعة والعلوم الطبية، ولا من شأنه أن يتدخل فى شئون الحكم وعالم السياسة. وبنفس القدر والحق ليس مقبولا أن يقحم الطبيب أو المعمارى أو السياسى نفسه فى عالم الفقه الدينى، وليكن كما يقال مال قيصر لقيصر ومالله لله.. العلمانية ليست رفضا للدين ولا إنقاصا من شأنه ولكنها تنظيم منطقى لأدوارنا فى الحياة حتى لا يتلون السياسى بالدينى ولا يرتدى رجل الدين ثوب الطبيب أوعالم الطبيعة وأستاذ العمارة. البابا يوحنا بولس الثانى بابا الفاتيكان الأسبق اعتذر رسميا عام 1996 عن استبداد الكنيسة فى عصور الظلام، عندما أكد حقيقة نظرية التطور فى رسالته إلى الأكاديمية البابوية للعلوم، وفى انجلترا أيدت الكنيسة علانية نظرية التطور (عام 2008 وتضمن بيان الكنيسة اعتذارًا لتشارلز داروين عن الرفض الأوّلى السابق لنظريته.

اعتقد أننا فى مصر كبلد كبير يتحمل مسئولية تاريخية فى الإقليم وفى المحيط الاسلامى، أمام تحد كبير يبدو كحائط شاهق وعائق حضارى مخيف يتمثل فى «تديين» الحياة لدرجة إثقال العقل بأوهام تصيبه بالعجز عن استقبال أى تطور يعيننا على الانتقال من مربع التخلف لفضاء التقدم. وللأسف الشديد فإن الشعوب بقدر ما تعجز علميا عن فهم وتفسير الطبيعة من حولها بقدر ما يكون المرء أكثر جهلًا، وأكثر قابلية للخرافة. إن الخوف الناتج عن العجز العلمى يدفع الناس دون وعى للفهم الخاطيء للدين والتدين، والنظر للمعتقدات الدينية كما لو كانت لاصقا اجتماعيا يساعد على ابقاء المجتمع متلاحما، وقد لخص ابن رشد اشكالية اشتباك الدين والعلم بقوله: لا يمكن أن يكون هناك تعارض بين كلمة الله (المفهومة بشكل صحيح) وعمل الله (المفهوم بشكل صحيح)، وإذا ظهر صراع، فربما لم يفسر القرآن بشكل صحيح.