عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بهدوء

 

 

 

رحل الخميس الماضى أستاذ الجيل الدكتور حسن حنفى رحل آخر شجرة عملاقة فى مصرنا الحديثة كان حسن حنفى قد اختط طريقًا واضحًا منذ حصوله على الدكتوراه من السوربون عام 1966 بعد أن مكث فيها عشر سنوات على نفقته الخاصة عاد وعينه على أن يكون أستاذًا بجامعة القاهرة، عاد حسن حنفى من سنوات التكوين، وقد أسس نفسه على الإلمام بتراث الذات، وثقافة الآخر، والمعرفة بأكثر من لغة أجنبية، فأجاد الفرنسية والألمانية والإنجليزية، وما أن مثل فى عمله بجامعة القاهرة حتى هزمت مصر عام 1967، ومنذ ذلك التاريخ وحتى رحيله اختط لنفسه طريقًا فى أن الفلسفة لا يجب أن تعيش فى برج عاجى، وأن الفكر لا ينبغى أن ينفصل عن واقع الشعوب، فالفلسفة تعبر عن هموم الشعوب وأحلامها، وهنا بدأت رسالته بالجامعة هى رسالة الوعى وتشكيل العقول، رسالة تعليم الدرس الفلسفى فى المدرجات والمحاضرات العامة والمؤتمرات، ثم رسالته الكبيرة فى البحث والتأليف والترجمة، فترجم لفلاسفة العصور الوسطى، وترجم رسالة فى اللاهوت والسياسة لاسبينوزا، وترجم لسارتر (تعالى الآنا موجود)، كتب فى الفكر الغربى، والإسلامى، والفكر العربى الحديث، ظل حسن حنفى يكتب ويؤلف حتى حصل على درجة الأستاذية فى الفلسفة عام 1981، وذلك بعد صعوبات قابلته بالجامعة ساعده فيها المرحوم الدكتور إبراهيم مذكور، وفى عام 1982 أصدر كتابه التراث والتجديد، الذى يمثل بيان مشروعه الكبير الذى قضى فيه حياته منذ ذلك التاريخ وحتى رحيله فى 21 أكتوبر 2021.

ارتكز مشروع حسن حنفى الفكرى على إعادة بناء التراث القديم فى علوم الدين والفلسفة، وذلك من منطلق ايمانه أن أى نهضة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الارتكاز إلى تراثنا القديم، وأهمية قراءته الجديدة التى تربطه بالواقع ومشكلات المجتمع وهمومه، ورأى أن النخب الحداثية تخطأ حين تتجاوز هذا التراث وتريد ربطنا بتراث الآخر الغربى، فالتراث هو المخزون النفسى لدى الجماهير الذى ينبغى أن نأخذ منه ليكون دافعًا للنهضة والتقدم، ولذا أعاد حسن حنفى قراءة علم أصول الدين، وأصول الفقه، والتصوف، وتراث الفلاسفة المسلمين، وعلوم القرآن والحديث، مقدما لها قراءات معاصرة، فيما أسماه إعادة بناء العلوم القديمة بما يتوافق مع واقعنا المعاصر، وحاجات الشعوب، فكان حريصًا الانتقال من النقل إلى النقل، ومن الغيبى إلى الاجتماعى، ومن الله إلى الإنسان، ولم يقبل الإسلاميون أطروحته الفكرية واتهموه بالكفر، ولم يقبل العلمانيون أطروحته أيضًا لأنه يرون التراث كائنًا منجزًا وتاريخيًا، وأنهم يحملونه.

ومن جانب آخر وضع حسن حنفى أصول (علم الاستغراب) فى مقابل علم الاستشراق، وكان الهدف منه دراسة الغرب بتراثه الفكرى والحضارى كموضوع للمعرفة والبحث والنقد، ورأى أن الحضارة الغربية هى حضارة الرجل الأبيض، هى حضارة لها خصوصيتها التاريخية، ولا ينبغى النظر إليها على أنها حضارة كونية، ونموذج ينبغى أن يسود فى العالم، وأصبح لعلم الاستغراب معاهد ومؤسسات فى العالم العربى والإسلامى تختط نهج حسن حنفى فى دراسة الآخر الغربي, وكان حسن حنفى يدعو التيارات الليبرالية والعلمانية والحداثية إلى عدم النظر إلى الآخر الغرب بالانبهار والتبعية، بل ينبغى النظر إليه كموضوع للبحث والنقد.

وكان اهتمام حسن حنفى بالواقع الراهن حاضر على الدوام فى مشروعه، حيث كانت قضايا الواقع الملحة حاضرة فى مشروعه، فاهتم بحقوق الإنسان، وبالحريات، وقضية العدل الاجتماعى، والتنمية، وضرورة تحرير الأرض من الاستعمار، كانت هموم الواقع تسبق هموم الفكر بل وتحركها، فكان يرى نفسه ضمير الناس، وصوت المقهورين والفقراء، وأن رسالته فى التعبير عنهم.

لم ينل حسن حنفى من الاهتمام والتقدير فى وطنه فى حياته وذلك رغم أثره الكبير فى المشرق والمغرب، ووجود العديد من التلاميذ له فى كافة أرجاء العالم، وبرحيله المادى، نقول إن حسن حنفى مازال باقيًا بإرثه الفكرى والعلمى، ومن المؤكد أن هذا الأثر الكبير له سيكون تأثيرًا كبيرًا فى الأجيال القادمة، رحم الله حسن حنفى.