رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

 

سوء الحظ هو شماعة المفلس. حجة البليد، ومبرر الكسول، الذى لا يريد أن يتحرك أو يتغير. يشكو ثم يشكو ثم يشكو، ويتصور أن الدنيا حظوظ، وأن النجاح رمية نرد. لا يعى أن العالم المتفوق يتحرك، يموج، ويكابد، ويسهر ويُفكر ويبدل حتى يتقدم إلى الأمام.

أتذكر مقولة بيل جيتس الشهيرة التى تقول «ليس خطأك أن تولد فقيرا ولكن خطأك أن تموت فقيرا» لأزداد كل يوم قناعة بأن السعي، والمكابدة، والعمل المُضنى لا يُمكن أن يقود إنسانا إلا إلى خير، وخير وفير.

وفى سيرة المبدعة العالمية، بنت صعيد مصر، الفنانة عزة فهمي، والصادرة مؤخرا عن الدار المصرية اللبنانية تحت عنوان «أحلام لا تنتهي»، برهان على صحة مقولة محمود درويش العظيمة «سأكون يوما ما أريد»، فالإنسان يمكن أن يصبح ناجحا، متفوقا، ومتحققا إذا أراد وسعى بكل جهد وطاقة وراء ذلك.

السيرة اللافتة والمكتوبة بالعامية المصرية، مثل سيرة لويس عوض المعنونة «مذكرات طالب بعثة مصري» تقول لنا إن المرأة المصرية طاقة نور، ورحلة عطاء، وبركان أمل. فهذه السيدة التى صارت تمثل علامة تجارية عالمية، ليست سليلة أسرة ثرية، ولم تدرس فى كامبريدج أو هارفارد، وإنما هى من أسرة متوسطة، وولدت فى قرية صغيرة هى الكوامل بمحافظة سوهاج، قبل أن تفجع وهى صغيرة بوفاة الأب، لتنتقل للعيش فى حى حلوان، وتدرس الفنون الجميلة ثم تتخرج لتعمل موظفة فى هيئة الاستعلامات.

ماذا غير حياتها فجأة؟ ما الذى قلب موازين حياتها ودفعها أن تعدل مسارها؟ ما أجج حلمها وأشعل طاقاتها الكامنة؟ الإجابة: كتاب. ففى سنة 1969 أقيم أول معرض للكتاب فى القاهرة، وزارته عزة فهمي، ومعها إحدى زميلاتها، وفى قاعة «ألمانيا» وقفت أمام غلاف كتاب جذاب يصور حلق وأسورة بشكل غريب. التقطته وهى لا تعرف الألمانية، وتصفحته فوجدت صورا لحُلى على هيئة حيوانات غريبة وقررت شراءه، فغير حياتها تماما.

عرفت عزة فهمى أن صناعة الحلى فنا، وأن لكل فن سماته، وأن مصر لديها تاريخ عظيم من الفنون يعود لعصر الفراعنة. ذهبت إلى خان الخليلي، حيث يوجد مركز صناعة الحُلي، ودخلت إلى أحد المحلات وسألتهم إن كانوا يريدون صبى أسطى، دون مقابل. بالطبع اندهش الصنايعية فى البداية، لكنها أصرت، وكانت تعمل كل يوم بعد انتهاء عملها الوظيفى لساعات طويلة، وعرفت كيف تمسك بالمبرد والمقص وأدوات التشكيل، وتنقلت من أسطى لأسطي، ومن معلم لآخر حتى أتقنت المهنة تماما. وبلغ بها الصبر أن تعمل لمدة خمسة عشر عاما كل يوم حتى النوم فى هذه الحرفة القاسية التى لم تعمل فيها امرأة من قبل، حتى صارت فيه صنايعية محترفة. ووصل بها الحال أن بصمات أصابعها مُحيت تماما من كثرة العمل.

بالطبع تركت عزة فهمى وظيفتها، وافتتحت أول ورشة لها فى حلوان، ثم وضعت أسلوبا خاصا بها مستعينة بجمال الفن الفرعونى لتضمنه تشكيلاتها، وتكبر يوما بعد آخر لتتسع الورشة إلى شركة، ثُم شركة أكبر، ثم مجموعة عالمية لها علامة هى الأشهر فى دنيا الحلى الفضية والذهبية.

وسعت نجمات هوليود للفنانة المصرية لتصمم لهن حليها، فظهرت جوليا روبرتس، بحلى وإكسسوارات أبدعتها عزة فهمي، وأطلت مصممة الأزياء الشهيرة ناعومى كمبل بروائع بنت الصعيد المكافحة. ولم يقتصر الأمر على أهل الفن، فقد عملت عزة فهمى فى تصميم مشغولات ومجوهرات أميرات وأسر حاكمة فى الشرق والغرب، وصارت علما مشرفا، ومدرسة إنسانية تفخر بها مصر.

لقد استمتعت بقراءة سيرة لذيذة مثيرة فى أربعمائة صفحة مصورة ومصممة بيد الفنانة العظيمة، لكن الأهم من ذلك أننى تعلمت.

والله أعلم.

 

[email protected]