عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

من طفولتى وحتى التحاقى بالجامعة منتصف السبعينيات من القرن الماضى، كان المطرب الشعبى المعتمد فى كل أفراح القرية اسمه «عطية المغنواتى»، وكان يصاحب زفة العريس أو العروس ومعه ثلاثة أو أربعة عازفين (طبلة ورق ومزمار بلدى).. عطية المغنواتى واحد من فلاحى القرية الوديعة «أبو داوود» مركز السنبلاوين آنذاك، وأعتقد أنه لم ينل أى حظ من التعليم ولكنه كان يرتجل المواويل بعبقرية نادرة، وأمام كل بيت تمر أمامه زفة الفرح كان يرتجل موال يبدأ باسم صاحب البيت، وكان الموال هنا مزيج من التحية وتعديد الصفات الكريمة لهذا أو ذاك.

فى ذلك الوقت كانت منازل قريتنا كلها من الطوب اللبن، ويعلو كل منزل وقود العام من القش والحطب، وأقراص جافة من روث المواشى، ولم تكن الكهرباء قد وصلت قريتنا بعد، وحتى مياه الشرب لم تكن دائمة ومعظم الوقت كانت مياه الترعة المصدر الأساسى لمياه الشرب والطهى وكل شيء. المهم أنه وسط هذا الواقع وجد «عطية المغنواتى» وكان رجلا نحيل الجسم، أسمر البشرة يرتدى الجلابية الفلاحى البحرى ذات الكم الواسع والطاقية، وشال جميل يليق بمطرب القرية فى ذلك الوقت.. المهم فى الحكاية أن الارتجال كان مهارة لافتة، خاصة وأن عم عطية المغنواتى كان يرتجل المواويل لمدة تزيد على الساعتين دون توقف. عندما كبرت ودرست وعرفت قدرا ولو يسيرا عن بحور الشعر أدركت أن الرجل كانت فطرته الشعرية سليمة مئة بالمئة بلا نشاز على الإطلاق.

وقد شاهدت الكثير من ليالى الموالد، وكان أبرز المطربين الشعبيين الذين رأيتهم أبودراع وحواس وغيرهما – وكانوا جميعا مثل عطية المغنواتى – أو مثلهم عطية المغنواتى مطرب قريتنا الشعبى الأول – يرتجلون أروع المواويل ويركبون كلمات من عندهم على أغان شهيرة خاصة للست أم كلثوم.. وحكى لى أبى المولود رحمه الله عام 1908 أن الأسر الكبيرة بالقرية كانت تستعين بمطربين ومطربات من المشاهير فى أفراح أبنائهم وبناتهم، وذكر لى أن أم كلثوم أحيت فرحا بقريتنا، وكان عمرها لايتجاوز الـ15 عاما، ومن الطريف أنه حكى لى أن منزلنا القديم كان بجوار منزل أهل الفرح، ومن باب المجاملات ومشاركة أهل القرية بعضهم البعض فى المسرات والآلام فقد استضاف منزلنا والد الست أم كلثوم الشيخ إبراهيم وحماره الذى أتيا عليه من قريتهم «طماى الزهايرة» والتى تبعد عن أبوداوود حوالى 10 كيلومترات. ومن المطربات اللاتى أحيين فرحا بقريتنا أيضا المطربة «حورية حسن».

هذه الحكايات تراءت أمامى بصورها التى اختزنتها من قصص كثيره قصها والدى على فى مراحل مختلفة من العمر، بعد أن شاهدت حلقة بديعه من «صاحبة السعادة» للجميلة اسعاد يونس، ومن فقراتها جزء خاص عن فرقة اسمها فرقة «طبلة الست» اسستها الشابة الجميلة سها محمد، خريجة كلية الآداب تخصص لغة ألمانية، مع مجموعة من فتيات فى عمرها تقريبا.. ورغم حداثة عمرهن جميعا «دون الثلاثين عاما» إلا أن الفكرة عبقرية وجريئة. خلاصة القول إنه رغم انتشار ما يعرف بأغانى المهرجانات، إلا أن تراثنا الغنائى من آلاف السنين إلى اليوم يمكن أن «نغرف» منه ونعيد تقديمه بشكل جديد ومفاهيم عرض جديدة، لتعيش كل الفنون جنبا إلى جنب دون إقصاء، كما يوجد الكومباوند جنب العشوائيات، ووكالة البلح جنب الزمالك وبولاق الدكرور جنب المهندسين.. الفن شيء رائع ويجب ألا نخشاه وننسحب من أمامه مرتجفين عراة من أى جسارة تعيننا على التأمل والتفكير كما حدث بالجونة مؤخرًا..