رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

كانت المدرسة لا تزال أبوابها مغلقة فى اليوم الأول، عندما تجمع الآباء باكر أمامها مع أطفالهم بالمرحلة الابتدائية فى زحام ليس له أى علاقة بإجراءات احترازية لكورونا، وكان الشغل الشاغل الذى يقلق الآباء فى هذا الزحام الخطر، أن يفوز طفله أو طفلته بمقعد أول صف داخل الفصل، وكأن هذا هو الضمان الوحيد لنجاحه وتفوقه على أقرانه، ولم يتردد بعض الآباء فى تعريض حياة أولادهم الصغار للخطر، بأن جعلوهم يتسلقون «المواسير» الخاصة بالمدرسة، للصعود إلى مكان الفصول قبل أن يتم عمل «طابور الصباح» المعتاد، وتداولت مواقع التواصل الاجتماعى وشاهد كل العالم، تلاميذ المدارس يتسلقون «المواسير» كاللصوص، وكيف نتعامل مع أولادنا، وأى مفاهيم نزرعها بداخلهم منذ نعومة أظفارهم، بأن عليه الفوز بمكانة متقدمة «ظاهريا»، ولو تسلق فى هذا أكتاف الغير، أو حتى مواسير البناية.

يعتبر كثيرون أن جلوس طفلهم فى أول صف بالفصل، سيجعله منتبهًا، ومحل اهتمام المعلم، وبالتالى سيكون متفوقًا، دونما النظر إلى قدرات الطفل الذهنية نفسها، وللأسف هذا مفهوم متأصل فى مجتمعنا، أذكر أيام دراستى الابتدائية، أن مشرف الفصل، كان يجلسنا فى الصفوف وفقا لأطوالنا، أى القصير فى الأمام، والأطول فى الصفوف الخلفية، حتى يتمكن جميع التلاميذ من رؤية «السبورة» دون مشاكل، وكان يستثنى من هذا التنظيم من يرتدون نظارات طبية، غير أن هذا الوضع العادل فى تنظيم الصفوف، كان لا يعجب بعض الآباء، فكانوا يأتون للمدرسة ليشتكوا إلى «الناظر»، أن ابنتهم أو ابنهم تم «الإطاحة» به فى الصفوف الخلفية، وانه «شاطر» وذكى، وجلوسه فى الخلف سيحوله إلى تلميذ «بليد» وفاشل، ورغم أن المعلمين فى زمنى «رحمهم الله ورحم أيامهم التى لن تتكرر» كانوا يولون نفس الاهتمام بكل التلاميذ، بل كان يتم التركيز النسبى على الجالسين فى الصفوف الخلفية، حتى لا يتكاسلوا، فلم تكن فى الزمن الجميل بدعة الدروس الخصوصية، وكان معلم الفصل–المحترم ذو الهالة والقدسية- هو المصدر الأول والأخير لنا فى التحصيل، بجانب كتاب وحيد يتيم اسمه سلاح التلميذ لمن أراد الاستزادة.

وعندما تزايدت شكاوى الآباء، اضطر الناظر حينها إلى تقسيم الفصول، إلى فصل أول وثاني، مثلا خامسة أول، خامسة ثانى، وتم اختيار التلاميذ الأذكياء فى فصل أول، والباقى فى فصل ثانى، ولكن هذه التجربة أثبتت فشلها، فقد كنا كتلاميذ فصل أول «نعاير» ونغيظ فصل ثانى، ونصفهم بالبلداء، وعلى المستوى العلمى أدى هذا التقسيم العنصرى إلى انهيار مستويات تعليم الصفوف الثانية، فوجود أطفال أذكياء متفوقين بين آخرين اقل مستوى، يؤدى غالبا إلى التنافس الإيجابى، والى محاولة الأقل تحصيلا إلى الشد من أذر نفسه، والاجتهاد بصورة اكبر فى منافسة شريفة للعلم والتحصيل، وادى فشل التجربة إلى إعادة دمج التلاميذ مجددا، ورغم هذه التجارب، كانت مدرستنا فى قلب سوهاج «الاتحاد القومية»  من أشهر المدارس فى التفوق وتحقيق نسب النجاح فى مسابقات «أوائل الطلبة» التى كانت تجرى فى حينه.

أسرد هذا لأضيفه إلى ما أشرت إليه فى مقالى الأسبوع الماضى، إلى أننا نربى صغارنا خطأ، ونحن نعدهم لدخول المدارس، نبدأ معهم بإذلالهم بما نشتريه لهم من زى وأدوات مدرسية، ونمن عليهم بأننا نفعل هذا «حتى يتمر فيهم» وينجحوا ويتفوقوا، فنزرع بداخلهم أول بذرة للخوف والقلق والتوتر، ثانى خطوة دفعهم دفعا إلى الصفوف الأولى، وكأنها معيار النجاح والتفوق، فلا يغادر الصغير شعور انه اقل من زملائه طالما جلس فى صف خلفى، ثالث خطأ، التأنيب والتقريع المبالغ فيه اذا ما حصل على درجات لا تناسب طموح الآباء، وتجازى معدل إنفاقهم المالى عليه، ولا نلتفت أبدا إلى قدرة الطفل الذهنية، أو وجود أى خلل آخر خارج عن قدراته الاستيعابية أثر على تحصيله ودرجاته.

وكل ما يهمنا هو تأنيبه وتوبيخه، بأنه «خايب» وبليد وفاشل، وأن زميله أو ابن عمه وبنت خاله حصلوا على درجات أعلى، وان مش ناقصه حاجة عشان يتفوق و..، و..، بالتالى أنت زرعت كمًّا من الإحباط النفسى داخل طفلك، فوصم طفل أو أى إنسان كبير بانه «فاشل وبليد ومش بيتمر فيه ما نصرفه عليه» سيخلق شخصًا عنيدًا، مشاكسًا، يجنح إلى الكسل واللامبالاة، ولن يحقق أى نجاح فيما بعد، فكما أحبطته، ستزرع لديه رغبة انتقامية فى أن يصيبك دوما بالإحباط تجاهه والحزن والغم،... وللحديث بقية

--

[email protected]