رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

«سرى».. تحته خط أحمر أو بين قوسين لا يجب الخروج عنهما، كلمة نسمعها كثيراً فى مجتمعنا المصرى دوناً عن المجتمعات الأخرى الأكثر تحضراً ورقياً، تنتابنى حساسية مفرطة وأكلان فى الضمير كلما سمعت كلمة سرى، لا أعرف لماذا أكره هذه الكلمة، وأشعر أنها مرادف لأشياء كثيرة خطيرة سلبية وغير واجبة الحدوث أو النفاذ إلى حيز الواقع، سرى أى تحت غلالة الستر وتحدث فى دهاليز الظلام، لا ترى نور الشمس، لا تدركها العيون وإن استوعبتها العقول، على الرغم من منطقية أن ما يقبله العقل سراً يجب أن تراه العيون علناً، وأستثنى من رفضى لكلمة سرى أمرين، أسرارنا القومية والعسكرية، وأسرار الناس الخاصة، فهذه محرمات لا يجب الاقتراب منها أو كشفها، ولكنى أعنى هنا برفض السرية فى باقى كل الأمور التى تتعلق بالمجتمع، وترتبط بالكيان العام للمصريين من سياسة واقتصاد وأى جانب آخر يؤثر على المجتمع ويتأثر به، وأرى أن هذه السرية هى مرادف حقيقى لعبارة «فساد فى الأرض».

فالممارسات السرية فى السياسة تعنى التآمر وإن لزم الخيانة، تعنى الضرب من تحت الحزام، وقلب الطاولة من النقيض إلى النقيض، تعنى من كان معك اليوم سينقلب عليك بعد ساعة، لأن لديه اتفاقات سرية ضدك مع آخرين يتظاهرون لك أيضاً بالولاء، تعنى طعنك فى الظهر ورفعك إلى السماء لتفاجأ بأنك سقطت على «جدور رقبتك» فى سابع أرض، فيتحرك السياسى وهو يتلفت حوله فى ذعر متخبط، فمن معه الآن يمكن أن يكون هو نفسه عدوه الشرس الذى يحفر له بعمق ليدفنه، لأن لديه خططاً وأهدافاً سرية لم يعلنها، وما أكثر ما تضج عوالم السياسة فى بلدنا بالسرية والحروب ذات الخطط الخفية، فيما نرى الممارسات السياسية فى الدول المتقدمة واضحة تتسم بالشفافية والعلانية لا تآمر فيها ولا خيانة، وكل سياسى يعلن عن خططه وتحالفاته فلا أسرار ولا نوايا خفية، ولا ممارسات من تحت الطاولة، وكل السياسات تصب فى صالح الدولة والتنافس يتم لصالح المواطن.

الاقتصاد السرى، أو ما يطلق عليه تخفيفا الاقتصاد الموازي أو غير المهيكل ويعنى أى نشاط اقتصادي لا يخضع للرقابة الحكومية ويعتمد السرية في عمله إنتاجاً وتسويقاً، وهو اقتصاد يتهرب من الضرائب والرسوم الحكومية، والأرباح المتولدة عنه لا تدخل في ناتج الاقتصاد القومي، والاقتصاد السرى حتى لو كانت له بعض المزايا فى خلق فرص عمل لا تتوافر بصورة رسمية للشباب، فإن له آثاره الضارة السلبية على المجتمع فتحت عباءته يتم على سبيل المثال لا الحصر تصنيع منتجات عديدة تحت بئر السلم دون رقابة كمستحضرات التجميل، منظفات صناعية، صناعات ورقية، حلوى، أغذية، أدوات كهربائية تفتقد مواصفات الأمان وكل هذا يؤدى لمشاكل صحية وكوارث، وقد تنامى الاقتصاد السري في مصر مؤخراً مع تفشى البطالة والفقر وتدنى مستويات المعيشة، وباتت الحكومة فى صورة عاجزة تماماً عن القضاء عليه، فتوحش واستفحل، واغتنت منه قلة على حساب الأغلبية وعلى حساب الدخل القومى وحساب تغذية خزانة الدولة.

والسرية فى مؤسسات الدولة بكل قطاعاتها، تعنى غالباً الأمور التى تخشى هذه المؤسسات كشفها للشعب بشفافية، لما بهذه الأسرار من مساوئ وأخطاء ومخالفات، ونفقات غير ضرورية، وإهدار للمال العام وإكراميات ورشاوى ومحسوبيات، وهذه الأسرار تصب أحياناً لدى الجهاز المركزى للمحاسبات، والذى بدوره لا يقوم غالباً بكشفها للشعب تحت مسمى التقارير السرية، اعتقاداً أن أى كشف لهذه الأسرار والمخالفات سيكون له آثار سلبية على الرأى العام وسيؤدى إلى افتقاد المواطنين الثقة فى أداء المؤسسات، فى الوقت الذى تقوم دول العالم الغربى المتحضر بكشف التقارير كاملة عن أداء كل مؤسسات الدولة، بما فى ذلك المؤسسة الأمنية بكل تجاوزاتها، إيماناً منها بالشفافية، لأن الفضح الاجتماعى هو أيضاً نوع من العقاب والردع لتجنب هذه الأخطاء والخطايا فى المستقبل والعمل على إصلاحها.

والسرية فى العلاقات الاجتماعية، تعنى علاقات مشبوهة، تعنى خيانة الرجل أو المرأة لشريك الحياة، تعنى زواجاً سرياً بين الشباب فى الجامعات والمدارس، تعنى إقامة علاقات محرمة يجرمها الشرع والقانون بين الجنسين، تعنى الشذوذ الجنسى والأخلاقى، وكلها علاقات يرفضها المجتمع السوى والسلوك السليم والعقيدة والأخلاق فلو قبلها لما كانت سرية ولتم إعلانها أمام المجتمع، ولكن لأنها تسير خارج الأعراف الدينية والعادات والتقاليد الموروثة، تتم بصورة سرية.

وعلنى أخص بالسرية هنا الخيانة الزوجية والزواج السري، لأن كلاً منهما والعياذ بالله استشرى كالنيران فى الهشيم فى مجتمعاتنا مهما أنكرنا ووضعنا رؤوسنا فى الرمال كالنعام، وكل منهما يعتبر قنبلة موقوتة يهدد بالانفجار في أي لحظة عندما يتم كشف السر، مما يؤدى إلى التفكك الأسرى، خاصة إذا ما نجم عن هذه العلاقات السرية أطفال، فإنهم ينشأون دون أن يكون لهم آباء حقيقيون أو انتماء أو رعاية اجتماعية، ويتحولون إلى لقطاء منبوذين مشردين وبؤرة للجريمة فى المستقبل، وخلاصة القول إن أى علاقة سرية لا ترى الشمس هى علاقة مرفوضة ومشبوهة، فالشفافية منجاة والصراحة سمة الصالحين، والسرية تدل على الجبن وعدم الثقة وضعف الشخصية.

وهكذا يا سادة، علينا أن نحارب كل ما هو سرى فى مجتمعنا، علينا أن نعرى السرية المرادفة للخطأ والعيب والرذيلة فى كل جوانب حياتنا وأن نكشفها، فالفضح الاجتماعى نوع من العقاب والعلاج لعدم التكرار، لأن كلمة سرى صارت فى الغالب فساداً وإفساداً فى الأرض، وهؤلاء الذين يرتكبون كل المحرمات والموبقات سراً، إنما يستغشون من الناس ولا يستغشون من الله وينسون أن الله يرى، وأن الله سيفضح سترهم فى الدنيا مع تكرار فسادهم السرى قبل أن يعاقبهم عليه فى الآخرة أشد عقاب لأنه فساد وإفساد فى الأرض.

 

[email protected]