رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

المشهد مسرحى يخطف العين، ويسرق القلب، ويطير بالروح فى رحلة رعب قاتمة.

قاعة شهيرة تُسمى الخلد، فى قلب بغداد تشهد اجتماعاً تاريخياً فى إحدى نهارات يوليو سنة 1979، يمثل نقطة فارقة فى تاريخ العراق كله. يدخل صدام حسين يفيض تيهاً،عيناه صاحيتان كأسد هصور، تلهث خلفه أذيال بشرية تُجرجر مشاعر الخوف والذل، ليُعلن بدء مؤتمر حزب البعث.

يفتتح صدام المجلس بقوله إن أحد كوادرالحزب يُريد الاعتراف بشأن أكبر مؤامرة تعرض لها الحزب. يقف «المشهدى» (شخص مهزوز يُدارى شعوراً غريباً بالمهانة) مرتبكاً ويُخرج ورقة ليتلوها فى تلعثم. يقول الرجل إنه اتفق على مؤامرة للاستيلاء على القيادة لصالح دولة عربية (سوريا) ومعه عدد من العناصر من قيادات الحزب واتفقوا على قتل صدام حسين، رئيس مجلس قيادة الثورة.

يُخرج صدام سيجاراً كوبياً ويشعله، ثُم يطلب من كل من يسميه صاحب الاعتراف الوقوف والخروج من القاعة. ترتعد الأوصال، وتتسارع نبضات القلوب، ليقف خائن بعد آخر يسمعون أسماءهم وتتلقفهم أيدى المباحثيين. تتدحرج دمعة ساخنة على وجه صدام، ويتعاطف معه طارق عزيز بدمعة شبيهة تبكى خيانة الرفاق، ليقرر الحزب تفويض الزعيم فى محاسبة المتآمرين. يقف على حسن المجيد، ابن عم الرئيس الجديد، مطالباً بضم عبدالخالق السمرائى قيادى الحزب السابق، والمسجون انفرادياً منذ ست سنوات إلى قائمة المتآمرين، لأنه لولا وجوده ما تآمر أهل الشر.

يُحكم على نصف المتآمرين بالاعدام رميا بالرصاص، وتُدعى قيادات الحزب من المحافظات ليتجمعوا فى العاصمة. يُساق الجميع لساحة رماية نائية ويُعرض المتهمون بالخيانة من أعضاء الحزب فى صف طويل كأهداف حية جاهزة للرماية، ويمنح كل رئيس لجنة مركزية بندقية ويطلب منهم جميعاً إعدام رفاقهم الخونة، وإلا نالوا مصيرهم. يصطف الجميع جاهزين، ويصل عُدى وقصى صدام للمشاركة فى الحفل، ويهتف عُدى بأن هدفه هو القيادى السابق عبدالخالق السمرائى. يطلب أحد الضحايا رفع سدادة فمه ليقول كلمة، لكن برزان التكريتى يرفض قائلاً إن أوامر صدام هى ألا ترفع سدادت الفم عن الأنذال حتى لا يتمكنوا من نطق الشهادتين ليموتوا كفاراً، مقابل خيانتهم صدام والوطن.

تزأر الرصاصات، وتتناثر بقع الدم، ويرقص عُدى منتشياً ويتعلم القناصة المجبورون على القتل الدرس جيدا، فالظلم أساس الحكم، والطاعة العمياء هى الطريق، ومَن لا يرشد عن أى متشكك فى ولائه فسيرشد عنه. تخمد الإنسانية فى ذوات أعضاء الحزب جميعاً فيهتفون بفداء القائد، ويتقوسون أمامه، وينسحقون تماماً.

فلاش باك قبيل الحادث بأيام. يجلس صدام نائب رئيس الجمهورية مع الرئيس أحمد حسن البكر ويخبره بأن عليه أن يتنحى تماماً فى مؤتمر موسع للحزب، وأنه صار مسيطراً على الجيش والأمن والقيادات الكبرى، وأنه إن لم يفعل فسيحاكم. يقبل «البكر» معتل الصحة على مضض. وفى المؤتمر العام يقول الرجل إنه سيستقيل، تاركاً الحكم لصدام، لكن كثيراً من قيادات الحزب تعارض الفكرة، ربما نفاقاً وربما خوفاً من صعود صدام، ولا يلتفت هؤلاء إلى جلوس صدام إلى جوار «البكر» يُدون أسماء كل من طالب الرئيس بالبقاء، فسيحتاج إليها بعد قليل.

يؤسس صدام حسين إمبراطورية شر مستطير تقوم على سحق الإنسان وبعثرة كرامته. يطول به المقام رئيساً، يتردى ببلاده من خزى إلى خزى. يعتدى على بلد جار له، يصفى خصومه، ثم أصدقاءه وأقاربه، وينهزم جيشه فى بضع ساعات أمام أول هجوم حقيقى، ويختبئ فى قبو شهوراً طويلة حتى يسقط أخيرا، ويُحاكم ثم يُعدم.

وبعد سنوات وسنوات يُصر كتاب التيار الإسلامى وأبواقه وخطباؤه فى مصر والعراق والأردن وفلسطين والجزائر على تسمية السفاح شهيداً. وهكذا يُقلب التاريخ.

والله أعلم.

[email protected]