عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

يسير وحيدًا بثبات كريس دوناهو القائد العام للفرقة 82 المحمولة جوًا نحو الطائرة المتأهبة للإقلاع، تحيطه بلورة شبحية خضراء تكشف بجلاء عن مغادرة آخر جندى أمريكى «مقبرة الإمبراطوريات» بعد عقدين من القتال الإسبرطى ومن خلفه لا تزال بعض الأضواء تسطع فى مطار كابل الذى باتت تسيطر عليه حركة طالبان. 

هذه هى تفاصيل الصورة الهوليوودية التى نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية قبل أسبوعين من أحداث الحادى عشر من سبتمبر، مصحوبة بتعليق «كانت مهمة صعبة للغاية ومليئة بتعقيدات متعددة، مع تهديدات نشطة طول الوقت، أظهرت خلالها قواتنا الشجاعة والانضباط والتعاطف» عادةً يستخدم مخرجو الأفلام الصامتة اللقطة القزحية الكلاسيكية ذات الشكل الدائرى لإبراز «مشهد ماستر سين» أو نهاية فيلم كامل بغية إضفاء تكثيف عاطفى يوحى للمتلقى بأن القبطان الشجاع هو آخر من يغادر سفينة أطول حرب فى التاريخ الأمريكى والتى كانت فوضوية ووحشية بامتياز، لذا يجب اختزالها بمشهد رومانسى ملفق يشى ببسالة «رامبو الخارقة» ليخزن بعمق فى ذاكرة الأجيال المقبلة بأن المعارك الأسطورية لا تخاض فقط بالتكنولوجيا والأموال وأنها لا تزال تنافسًا متماثلاً بين الرجال بالرغم من تزايد دور الطائرات بدون طيار.

 فكرة الحرب فى الثقافة الأمريكية ليست صراعاً من أجل المبادئ والقيم السامية وإنما بيزنس مفضوح على طريقة رعاة البقر الذى يقاس بالفرص الاستثمارية المحتملة وحساب الأرباح والخسائر، ومن هذا المنطلق يجب تقييم ما حدث دون السقوط فى شراك التفكير بالتمنى فتكلفة تلك الحرب وصلت إلى 992 مليار دولار أمريكى، وهى أكبر من تكلفة الحرب العالمية الاولى وفيتنام والعراق وحصيلة قتلاها 2442 جندياً، والمصابين أكثر من 20 ألف جندى.

النخبة الأمريكية تدرك بوضوح منذ بداية عملية «الحرية الدائمة» أن الظروف المنطقية لمكافحة الإرهاب وبناء الدولة على النمط الغربى لم تكن موجودة منذ البداية، فأفغانستان بلد فقير وجبلى معزول ومنقسم إلى عدد من الجماعات الاثنية المتضاربة ولا توجد فيه تقاليد ديمقراطية، ولديه تاريخ طويل فى مناطق الحكم المحلى المستقلة، ويمقت سكانه التدخل الأجنبى، وفيه حكومات فاسدة عصية على العلاج، بالإضافة إلى أن ضخ مليارات الدولارات إلى هذا البلد فاقم من المشكلة، فيما ظل جيشها عقيماً رغم الجهود الطويلة التى بذلت من أجل بنائه وأن حركة طالبان بقيت تحتفظ بملاجئ آمنة لها فى باكستان، ودعم من إسلام أباد، التى كانت لديها أسبابها لتقديم الدعم للحركة، وأعطاها هذا القدرة على الانسحاب وتقليل خسائرها، وانتظار الفرصة المواتية وهذا ما حدث.

أساس المشكلة نابع من الصعوبة الكامنة فى إدارة عملية هندسة اجتماعية فى بلد يختلف بشكل كبير عن أبسط مقومات الحداثة، ولذلك فإن محاولة تحويل أفغانستان إلى ديمقراطية حديثة تعد ضربًا من الغطرسة الاستثنائية، والأهم من ذلك عندما اعتقد اليانكيز أنهم يستطيعون تحقيق الديمقراطية فى أفغانستان سريعا، فمحاولة إعادة تنظيم مؤسسات وثقافة مجتمع آخر تؤدى إلى توليد السخط والتداعيات غير المتوقعة.

لذا أعتقد أن السبب الحقيقى لهكذا حرب عبثية كان البحث عن عدو وهمى ينعش خزائن المجمع الصناعى العسكرى الذى يجبر واشنطن على خوض حرب كل عقد تقريبًا لا سيما بعد انهيار العدو الأحمر بسقوط حائط برلين إيذانًا بانهيار الاتحاد السوفيتى فكان خلق العدو الأخضر ضرورة ملحة والمتمثل فى جماعات الإسلام الحركى هو الهدف المنشود والذى لفظ أنفاسه الأخيرة بعد نجاة الأمم الفاعلة فى الشرق الأوسط من فخ الربيع العربى وتيقنت واشنطن أن لا مستقبل لهم هناك، لذا آن الأوان للتفرغ الكامل إلى التنين الصينى ذلك العدو الأصفر الذى أصبح يمثل خطرًا داهمًا على الهيمنة الأمريكية بعدما حاز على نفوذ كبير فى شتى بقاع المعمورة بفضل طغيانه الاقتصادى. دائمًا تحيا الإمبراطوريات على دراما الصراع والتدافع.