رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بهدوء

 

 

 

كانت مقالتى السابقة عن التقريب بين المذاهب، وذلك لأن الصراع المذهبى كان إحدى أدوات تحلل الحضارة الإسلامية قديما، وأداة الغرب فى اصطناع الحروب والنزعات فى العالم العربى والإسلامى معا، فبعد حرب 1973 وهزيمة اسرائيل كان وزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر على وعى تام بأهمية تفكيك المنطقة من داخلها وفقًا للصراع السنى الشيعى، وجاء برنارد لويس لينظر فى كتاباته لإعادة تدوير المنطقة وتفكيكها وفقًا لهذا الصراع، ومنذ أكثر من عقد الآن، ونحن نرى أمريكا والغرب يمشيان فى هذا المشروع بتأجيج الصراع السنى الشيعي، من أجل تفكيك دول المنطقة واضعافها، وذلك لصالح اسرائيل المستفيد الأول من اضعاف العالم العربي.

إن الصراع السنى الشيعى فى المنطقة العربية إحدى ركائز الصراع داخل المنطقة العربية، هذا الصراع الذى تغذيه النظم الاستعمارية، ويغذيه الميراث الثقافى القائم على الكراهية والإقصاء، فالمناطق والدول التى يتواجد فيها أهل السنة والشيعة هى أكثر المناطق قلاقل وتوترات، فى العراق، وسوريا حيث يحكم العلويون سوريا رغم أنهم أقلية وذلك بمساندة حزب الله وإيران، وفى لبنان - ذات التنوع العرقى والديني- قامت الحرب الأهلية بينهم من 1975- 1990، تم فيها تدمير لبنان بكاملها، ومهما عاشت لبنان فى استقرار فهى حالة هشة تقوم الديمقراطية فيها على المحاصصة وفقًا للتعدد العرقى والديني، وفى اليمن الخلاف بين الشيعة الزيدية وأهل السنة كان سببًا لحروب كثيرة، وكذلك يُحدث الشيعة العديد من القلاقل فى منطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية فى البحرين ومنطقة الدمام بالمملكة العربية السعودية، ويغذى مثل هذه الصراعات المستمرة المد الإيرانى الفارسى فى المنطقة ومساندته للشيعة فى كل أرجاء العالم العربى، فتتدخل فى جنوب العراق، وتساند العلويين فى سوريا، وحزب الله فى لبنان، والحوثيين فى اليمن، والشيعة فى البحرين وشرق السعودية.

لقد بدا واضحًا أن أمريكا والغرب تعيد انتاج وتدوير المنطقة عبر الصراع السنى الشيعى، وذلك بمساعدة إيران التى تتدخل فى شئون البلاد الغربية بدعوى حماية الشيعة فى معظم مناطق العالم العربى، وذلك باعتبار أن إيران هى الدولة المركزية للشيعة فى العالم الإسلامي، وتنظر لنفسها باعتبارها حامية حمى المذهب فتعطى لنفسها الحق فى التدخل فى المنطقة العربية، ولا شك أن ما يحرك إيران تجاه المنطقة العربية هى أطماعها التاريخية فى ثروات المنطقة من ناحية، والحقد التاريخى للفرس الذين يدركون أن العرب هم الذين حطموا إمبراطورتهم منذ الفتح الإسلامي، ومازالت حركة الشعوبية حاضرة فى الذهن العربى، هذه الحركة التى جسدت استعلاء العرب على الفرس فى العهد الأموى، واستعلاء الفرس على العرب فى العهد العباسى، حيث نظر الفرس إلى العرب على أنهم أجلاف لا علم لهم ولا حضارة، ولا تاريخ، ولا مقدرة على الحكم والسياسة، وأن العرب حين حكموا لم يستطيعوا أن يفعلوا ذلك بدونهم، كل هذه الأمور قد جسدت الخلاف التاريخى بين العرب والفرس، وبين الشيعة والسنة، ونظرت إيران إلى نفسها على أنها حامية حمى التشيع بكل فرقه وأطيافه فى العالم الإسلامى.

وهذا الميراث من الصراع بين السنة والشيعة فى العالم العربى كان له تاريخ طويل فى حضارة الإسلام، وهو الآن الذريعة الكبرى لتدخل إيران فى المنطقة، وإثارة الحروب والقلاقل فيه، ومساعدة الغرب فى تفكيك دول المنطقة بعد حروب طويلة تُهدر فيها ثروات البلاد العربية لصالح مصانع السلاح الأمريكية والغربية، ونحن بحاجة إلى أن يكون هناك حوار بناء بين أهل السنة والشيعة ولا يكون ذلك إلا بالبحث الخلاق لجذور الصراع التاريخى بينهم، والأسباب التى رسخت لهذا الصراع، ولا شك أن أحد أهم أسباب ترسيخ الصراع بين السنة والشيعة هو الصورة السيئة لدى كل منهما عن الآخر، تلك الصورة التى دونتها كتب الفرق أو الملل والنحل لديهما، ومؤلفات العقائد المختلفة لدى كل منهما، ومن هنا كان من الضرورى تجاوز تلك الصورة السلبية من أجل بناء جسور مشتركة بينهما، وهذا ما حاوله الشيخ شلتوت فى ستينيات القرن المنصرم.