يؤسفنى كثيرًا ما نسمعه يوما تلو الآخر من إقدام شاب على الانتحار بطرق مختلفة، آخرهم فتاة المول الشهير التى ألقت بنفسها من الدور السادس للتخلص من الضغوط الأسرية التى تمارس عليها، فدفعتها قلة الحيلة وغياب السند إلى التخلص من حياتها كليًا، فى مشهد أدمى قلوب كل الأسر المصرية، وأشعرهم بالخوف على هذا الجيل الصاعد.
صحيح أن عدد حالات الانتحار لا تمثل ظاهرة حتى الآن -بحمد الله- إلا أن الحوادث القليلة التى جرت تتطلب مناقشة الأمر والوقوف على أسبابه.
عندما أقرأ هذه القصص المؤسفة، كثيرًا ما يثير ذهنى تساؤلات حول ما الدافع القوى الذى يجعل إنسانا يخطط بكل عزمه من أجل التخلص من حياته وينفذ عملية قتل نفسه بكل ثبات وإصرار وكأنه وجد فى الموت الحل الوحيد للتخلص من أزماته ومشكلاته؟! وماذا لو وجد شخصًا بجواره يدعمه نفسيًا ويساعده على حل مشكلاته والحفاظ على حياته؟ وماذا لو وجد القدوة ليخبره كيف يتخطى الصعاب من أجل الوصول إلى الهدف؟
الانتحار جريمة مجتمعية خالصة من وجهة نظرى المتواضعة، فهى تنم عن خلل مجتمعى أول من تأثر به شبابنا، الذى هم مستقبل البلاد وقوتها، فقد وجدوا أنفسهم محاصرين بضغوط هائلة غير قادرين على حلها، وفى الوقت نفسه لم يجدوا أسرا وآباء وأمهات تمد إليهم يدا حانية وكلمة طيبة تساندهم وتقويهم لتخطى أى معوقات تواجههم بالصبر وقوة التحمل، لم يجدوا من يعززهم نفسيًا تجاه أهدافهم التى يسعون لها، من يخبرهم أن الحياة لن تنتهى عند الفشل وإنما تبدأ.
للأسف حماية الشباب من الانتحار مسئولية مجتمعية كاملة، لكل مؤسسة دور مهم فيها، بدءًا من الأسرة ودورها فى رفع نفسية ابنهم واحتوائه مهما أخطأ مع توجيهه إلى الصواب، ودور المدرسة فى تشجيعه وتعليمه الصعاب التى خاضها القادة والعظماء عبر التاريخ، مع متابعة كل من يظهر لديه خلل نفسى من خلال الإخصائية النفسية، ودور العبادة وتأصيل القيم الدينية الراسخة من الصبر والتمسك بالأمل، والاعتماد على الترغيب وليس الترهيب، ويبقى الصديق الصالح المحب هو من أهم الدعائم التى تقوى الإنسان خاصة الشباب وتقويه على الاستمرار فى معارك الحياة والصمود فيها دون أى يأس.
وختامًا.. أقترح تكوين فرق طوارئ نفسية لدعم الشباب نفسيًا، ومد يد العون لكل من يشعر أن الحياة ضاقت عليه بما رحبت، وإنقاذهم من حالات الاكتئاب والإحباط واليأس، وتدشين حملات لتأسيس الشباب نفسيًا وتنميتهم ذاتيًا فضلًا عن إقامة ندوات دينية تعلمهم الصبر والتحدي، وإدماجهم فى العمل المجتمعى ليشعروا بقيمتهم ويثبتون ذواتهم، وأقول لكل أبٍ وأم: كونوا سندا لأبنائكم ولا تتركوهم فريسة لأفكار محطِّمة.