رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لعل وعسى

لقد كان الإحسان صفة من صفات نظام السوق فى القرن التاسع عشر، هذا القرن الذى أطلق عليه قرن الرأسمالية غير المقيدة فلم يكن هناك تفاوت اقتصادى كبير بين الأفراد وبين الدول كما نراه الآن. فبريطانيا تلك الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس لم تحقق الطفرة أو الفجوة بينها وبين مستعمراتها الا فى بداية القرن العشرين، ففى عام ١٧٧٦ ألف ادم سميث كتابه بحث فى تطبيق آليات ثروة الأمم، وتزامن هذا الكتاب الذى احدث ثورة فى الفكر الاقتصادى مع اختراع الآلة البخارية على يد توماس سيونى ثم توماس ليتوكان ثم جميس وات هذه الآلة التى أحدثت تغيرات فى مفاهيم الإنتاج الاقتصادى العالمى ربما تكون صدفة صدور هذا الكتاب مع ظهور هذه الآلة ولكن ما نؤكد عليه أن ثروة الأمم ليست فى جمع المال والمعادن والموارد الطبيعية بل هى كامنة بالفعل ووفقًا للتجارب العالمية القديمة والحديثة فى حرية الأفراد على العمل والإبتكار والمنافسة أكثر من أى مورد إقتصادى آخر.

وإذا كان القرن التاسع عشر عنوانه الإحسان فى نظام السوق إلا أن القرن العشرين اتسم بظهور الرأسمالية المتوحشة بدأت بحربين عالميين ثم أمم متحدة ومجلس أمن العالم ثم اتفاقية بريتون وودز لربط العملات الرئيسية ببعضها وبالذهب لتحقيق استقرار مالى ونقدى عالمى وما زال الأمل يراودنا طوال نصف قرن مضى بإبرام اتفاقية بريتون وودز جديدة تدخل فيها الولايات المتحدة الأمريكية بعد خروجها عام ١٩٧١ لتكون الدولة الوحيدة فى العالم التي تستطيع طباعة بنكنوت دون أن تتأثر بالتضخم.

القرن الواحد والعشرين عاد فيه الإحسان بشكل مكثف مع سياسات اليمين الجديد الذى يؤمن بأن الإحسان جاء لسد شروخ المجتمع وهو ما يجب أن يكون المسئولية الأساسية للدولة، فالمواطن يطالب بالعدل لا الإحسان. وهو بالفعل ما التزمت به مصر وفق سياسة التعامل مع الفقر الذى يطول أكثر من ثلث السكان وفق مجموعة من التوازنات تقوم على المبادئ التالية، أولا التوازن بين الريف والحضر وهو الأساس الحاكم فى مشروع حياة كريمة لضمان رفع مستوى المعيشة فى الريف ورفع مستوى التمكين الاقتصادى لدى الشباب لخلق روح الابتكار والإبداع والمنافسة، الثانى التوازن بين البيئة والفردية لضمان الحفاظ على اغلى وديعة أعطاها المولى عز وجل للإنسان وهى الطبيعة من أجل ضمان المحافظة عليها لضمان التنمية المستدامة.

ثالثا التوازن بين المناطق الداخلية والساحلية وهو ما تسعى إليه الدولة الان لضمان النمو المتوازن جغرافيًا وقطاعيا وبيئيا أما التوازن الأخير فهو إدراك التوازن بين المحلى والعالمى مع الانحياز كل الانحياز للعنصر الأول من أى توازن عند اتخاذ القرار فالريف يسبق الحضر والبيئة والداخل يسبق الساحل والمحلى قبل العالمى، وهو ما يعنى وضع المنفعة العامة قبل السوق، مع الإيمان بأن الإقتصاد ما هو إلا خادم للمجتمع وليس هدفًا له، حيث إن النمو الإقتصادى لا يستهدف لذاته وإنما هو وسيلة لخلق الوظائف وللقضاء على الفقر ولتحسين حياة المواطنين وفق مبدأ حياة كريمة.

قد نكون أمام مشكلات اقتصادية جديدة تقودها دولة قوية إيذانًا بالعودة إلى أجواء الثلاثينيات من القرن الماضى بعد أزمة الكساد العظيم التى اندلعت بسببها الحرب العالمية الثانية هذا لا يعنى بالضرورة أننا على أعتاب حرب عالمية ثالثة ولكن من الممكن أن نشهد حروب إقليمية صغيرة بين دول التكتلات الاقتصادية المختلفة يشعلها الكبار من أجل إعادة رواج الإقتصاد. وقد نكون أمام رأسمالية متوحشة تزداد توحشا بعد إفلاس العديد من الشركات وعدم استمراريتها اثناء جائحة كورونا، أو نكون وهو المرجح أمام رأسمالية ذات طابع أكثر إنسانية تقودها مصر بعد أن أقنعت العالم بفلسفة ومنهجية المفهوم العملى الجديد للدولة التنموية القائمة على فكر وسمة الإحسان.

رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام