رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

ولدت الأديان يوم مات أول إنسان على الأرض وصدم غيره السؤال الوجودى الذى لا يزال مطروحًا حتى اليوم: وماذا بعد الموت؟ لم يعثر، ولن يعثر الإنسان على إجابة يقينية على هذا السؤال، ولكنه انجذب لفكرة الخلاص الفردى التى تبعث فى نفسه الطمأنينة بأن هناك حياة أخرى بانتظاره، وأن الموت ليس نهاية لعبة الحياة. وكما يقول «ريتشارد هولواى» فى كتابه مختصر الأديان «إن الدين كان بارعًا للغاية فى إقناع الناس بقبول نصيبهم فى الحياة، بغض النظر عن مدى البؤس الذى يعانون منه، وخاصة أنه أعطاهم أيضًا الأمل فى الحصول على ما هو أفضل فى حياة الآخرة، أو فى الجولة القادمة فى هذه الحياة».

فكرة أن يكون الدين عقيدة للخلاص الفردى بدأت من آلاف السنين، وتنبه لها الرومان عندما غزت جيوشهم بلاد الإغريق وفارس ووجدوا لأهل هذه البلدان معتقدات دينية تمجد الحياة والموت معًا، ولأن الرومان كانوا أمة حروب وغزوات فقد طوعوا هذه المعتقدات لخدمة أهدافهم لدرجة اعتبار القتل إحدى أدوات التقرب إلى الله تحت مسمى المجد المقدس. ليس هناك فارق كبير بين تطويع فكرة الدين للخلاص الفردى عند الرومان، وما تكرر ولا يزال حتى يومنا هذا، حيث ترفع رايات الجهاد شرقًا وغربًا تحت رايات دينية. الحملات الصليبية والفتوحات الإسلامية، والاحتلال الإسرائيلى لفلسطين، وصولًا إلى الحروب الأمريكية فى عصرنا الحديث– كلها ركبت «مدرعة» الدين لتحقيق انتصارات لاعلاقة لها بالمعتقد الدينى ولكنها وثيقة الصلة بالاقتصاد والصراع من أجل البقاء، والبقاء بقوة.

ما فعلته الامبراطوريات القديمة والدول الحديث كان انعكاسًا لما استقر من أفكار بالعقل الفردى لا الجماعى.. العقل الفردى منذ بداية الكون وإلى اليوم يقفز فوق السؤال الغامض: «وماذا بعد»، ليهبط فوق شطآن الأديان التى تقول له صراحة «إن الله جعلنا مسئولين عن الأرض، وأخضعها إلينا، وإن تساءل أحد لماذا جرى هندسة الكون بهذا الشكل الذى يميز بين الألوان والأرزاق–ردت الكتب المقدسة بأن الحكمة الكامنة وراء الكون قد نسقت الأشياء بهذه الطريقة لغرض ما! حدث هذا قبل أن يقدم العلم الحديث منذ ما يقرب من ألف عام وحتى اليوم روايته عن الخلق، تلك الرواية التى تأثرت بها أمم وتحولت حياتها من انتظار إجابة لن تأتى عن السؤال الوجودى «وماذا بعد» إلى سعى نحو الاكتشاف، وتصديق للبرهان العلمى، وعدم التسليم بحقائق لم يثبت صحتها أو وجودها العلم الحديث.

المصريون من أقدم الأمم التى شغلها السؤال الوجودى الكبير «وماذا بعد الموت» ولم تكن البنايات الكبرى كالأهرام والمسلات وأبوالهول ومقابر الملوك المطرزة بالنقوش والترانيم إلا محاولة للخلاص الفردى ظنا من المصرى القديم، أن حياة أخرى بانتظارة على رصيف الغيب وأن عمله الطيب سيمنحه رضاء الآلهة. مشكلة المصريين اليوم فى علاقتهم بفكرة الخلاص الفردى أنهم يفصلون فصلًا تامًا بين الدين والأخلاق– أو- لنقل بين الدين والضمير الفردى بمعنى أن الدين لدى كثيرين ليس سوى طقوس تؤدى، وأن هذا لا يتعارض مع كون مؤدى هذه الطقوس يسرق أو يكذب أو ينتهك الأعراض أو يغتصب حقوق الغير.

المصريون رغم بؤس الحال تاريخيًا من عشاق الحياة، ومبجلى الموت، لدرجة أننا برعنا عبر الزمن فى أن نغنى للموت، كما نغنى للحياة، ونبنى ونشيد بيوتًا وأحيانًا قصورًا للموت، كما نبنى ونشيد بيوتًا وقصورًا للحياة والفرح والمتعه. فكرة الخلاص الفردى التى تفصل بين الدين والأخلاق كانت ولا تزال باقية تمثل أزمة الإنسان المعاصر الذى يصارع الحياة، والمدهش أنه صراع من أجل الموت. من هنا كان الروائى الكبير نجيب محفوظ عبقريًا فى رؤيته الفلسفية بروايات مثل الطريق والشحات والحرافيش وغيرها، تلك الرؤية التى تظهر الازدواجية المضطربة داخل الشخصية المصرية فى المسافة بين الدين والأخلاق، وأيضًا فى التعبير القدير عن الحيرة التى تسيطر على أبطال رواياته أمام المصير المجهول، والأقدار الغامضة، وعبثية الموت حين يعجز الإنسان عن الإجابة عن سؤال الوجود «وماذا بعد».

أتصور جازما أن ظاهر التدين عند المصريين اليوم لو أنه متفق تمامًا مع حقيقة العمل لكانت حياتنا فردوسًا أرضيًا، ولكن لأن الرتق يتسع بين ما هو دينى وما هو أخلاقى فإن نوعًا من الانتهازية الدينية سيظل حاكمًا للمشهد.