رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

كان يصطاد القادمين من وطنه، شباب بسيط فقير حتى وإن حملوا الشهادات الجامعية، دفعتهم ظروف الحاجة والبطالة إلى شراء فيزا بصورة أو بأخرى، والتحايل لتجاوز مدتها السياحية، والبقاء بصورة غير مشروعة على الأراضى الهولندية، وبالتالى العمل أيضا بصورة غير قانونية فى أى عمل بأجر زهيد، وكان هو يتلقفهم للعمل فى مطعمه الذى يبيع فيه كل شيء متاح بهولندا بما فيه الخمر ولحم الخنزير، كان لديه أسلوب «أفعوانى» يقنع به الوافد الجديد، بانه سيدخر له أجره لبضعة شهور، بزعم حماية هذا المال من أن يقع فى يد الشرطة فتصادره إذا ما ألقى القبض عليه مصادفة، بسبب إقامته غير القانونية، مع الوعد بأنه سيوصل المال لأسرة الشاب فى مصر إذا وقع المحظور وألقى القبض عليه فكان الشاب من هؤلاء يشكره امتنانا، ويكتفى بما يقدمه له من طعام يومى بسيط، واحيانا مكان للمبيت داخل المطعم، أو فى غرفة متواضعة ملحقة بالمطعم.

وحين تمر بضعة أشهر، ويتسرب القلق للشاب الوافد على أموال راتبه التى لم يتقاضها منذ جاء، فيبدأ فى المطالبة بها، فيطمئنه صاحبنا هذا بابتسامة ثعلبية، يعقبها بساعات قيام الشرطة بالقبض على الشاب، وترحيله لمصر لمخالفته الفيزا السياحية وإقامته فى البلاد بصورة غير شرعية، ولا ينال الشاب من أموال عمله كل هذه الشهور سنتا واحدا، لان ببساطة من ابلغ عنه هو هذا المصرى صاحب المحل، والذى اشتهر بين أبناء الجالية المصرية بل العربية بفعلته النكراء التى يكررها مع أبناء وطنه، بل كان يفتخر بما يفعله، ويتندر فى «سفالة» وسخرية بين أصحابه على سذاجة ضحاياه، ومشهد صدمتهم وانهيارهم أثناء الترحيل. كان فعلا بلا قلب بجسده الضخم، لم تهتز شعرة واحدة من بقايا رأسه الأصلع يوما على ما يفعله بأبناء بلده، هؤلاء الذين دفعهم بؤسهم ويأسهم وبطالتهم إلى السفر لهولندا، منهم من باع ما تملكه امه من حلى الذهب، أو سافر بتحويشة عمر أبيه، أو من ديون اقترضها أبواه من كل الأقارب والجيران، أو من بيع أو رهن عقار أو قطعة ارض هى كل ما تملكه أسرته، وفى النهاية وقع ضحية هذا الوحش الذى استحل «عرق جبين» وأموال أبناء بلده بكل بساطة، وسبحان الله الذى انتقم منه، فأصيب بشلل أقعده على كرسى متحرك، وخسر مطعمه، وحجزت عليه الضرائب، وضاع أولاده الثلاثة منه بين إدمان وفشل فى الحياة، هكذا كان انتقام الله، بذنب دعاء شباب ظلمهم، ودعاء أهاليهم الذين صدمهم ودمر أمانيهم.

أسوق تلك القصة الحقيقية كمقدمة طويلة لما يدور بين أبناء الجالية المصرية غالبا فى هولندا أو داخل الكثير من الدول الأوروبية، التى ساقنى الحظ وزرتها وعشت بها، ولمست عن قرب مشاكل غريبة تقوم بين أبناء الوطن الواحد، وأقولها آسفة، إن الجالية المصرية فى العديد من دول العالم غالبا ما تكون من افشل الجاليات تواؤما ومصالحة مع النفس ومع الآخرين، وغالبا ما تدور بين أفرادها صراعات ومشاكل غريبة، وتتنافس بصورة غير شريفة على الفوز بأى شيء، وأقول غالبا وليس كل، لا يقف بعضهم بجانب بعض، ولا تجدهم سندا لبعض، وإن نجح احدهم فى مكان أو مركز ما، تجد الآخرين يتنافسون فى الكيد له، وتشويه سمعته وصورته، ليس أمام الجهات الهولندية فقط لتجريده من المكاسب أو النجاحات التى حققها، بل بينهم أيضا كأبناء جالية واحدة، وكأنهم يحقدون عليه أو يستخسرون فيه ورقة التوت التى سترته فى غربته من الاحتياج والفقر، فتمتد أياديهم تتنازع ورقة التوت حتى ينجحوا فى نزعها أو تمزيقها، لتعرية السوءات فيما بينهم.

أعترف وللأسف بأن الجالية المصرية غالبا فى المؤخرة، والأكثر تفككا، تمزقهم الصراعات وحروب الكلام وتوزع الاتهامات فى الذمم وفساد الأهداف، بينما أبناء الجاليات الأخرى متماسكون، يشكلون عصبة قوية لمساندة بعضهم البعض للدفاع عن حقوقهم أمام حكومات المهجر، وتشغيل أبناء وطنهم فى الأعمال التى ينشئونها فى مهاجرهم، من شركات ومطاعم وغيرها من المشروعات، بجانب مساعدة العاطلين منهم ماديا، توفير أماكن لإقامتهم ولو فى المساجد والكنائس، نعم للأسف أجد بين أبناء الجاليات الأخرى تماسكا وتعاونا وفريدا، لا يتوافر غالبا بين أبناء الجالية المصرية..وللحديث بقية.

[email protected]