عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

بعد زمن ليس ببعيد، لن نجد لأغانى الربيع معنى، وقد توارت نسماته بين لفحات الهجير، ستحترق الأوراق الخضراء وتصبح صفراء أو تفتت رمادا، وعلى الجانب الآخر ستختفى مدن بأكملها تحت السيول والفياضات لانصهار جبال الجليد بالعالم، ستتوارى السهول والوديان الخضراء، وسيصبح كل المشهد اجرد كالح، وستتكور كل فصول العام وتختفى معالمها، الى فصل واحد طويل ولا يطاق، وهو الصيف الحار جدا، كل هذا وأكثر من متغيرات المناخ سنراها نحن أو الأجيال القادمة فى أرجاء المعمورة، وستختفى حضارات ومعالم وآثار لها تاريخ، كل هذا سيحدث وأكثر ان لم نرحم البيئة، ونراجع جميعا انفسنا للتعامل معها برفق، عسى أن ترحمنا وترفق بنا بدورها مع سطوع غضبها واشتعاله.

اذا كانت الدول الكبرى وما بعدها من دول اصغر، لم تلتزم منذ انعقاد اتفاقية كيوتو لتحسين المناخ قبل قرابة ثلاثة عقود بمعظم ما تعاهدت عليه من اجراءات، للحد من الانبعاثات الكربونية الملوثة للبيئة، والمسببة فى ارتفاع درجة حرارة الكون، لأن هذه الدول فضلت مصالحها الاقتصادية والصناعية عن مصلحة البيئة وصحة الانسان، أو حتى عن مستقبل الكرة الأرضية ككل، إذا كانت حكومات الدول لم تلتزم بتعهداتها، فعلى الأقل تحاول الشعوب انقاذ نفسها من المصير البشع الذى تسير اليه.

تكاتف الشعوب وضغطها على الحكومات لتنفيذ التزاماتها نحو اتفاقية البيئة وتحسين المناخ، سيؤدى الى انقاذ حياة اكثر من ١٥٣ مليونا معرضين لخطر الوفاة المبكرة خلال هذا القرن، وفق دراسة حديثة أعدها باحثون من جامعة «ديوك» الأمريكية، ويؤسفنى القول انه وفقا للدراسة، فإن أكثر الدول تأثرًا بالتلوث الناتج عن غازات الدفيئة - غازات ثانى أكسيد الكربون، والميثان، والأوزون، والكلوروفلوركربون هى الهند، وباكستان، وبنجلاديش، ونيجيريا، واندونيسيا، وعاصمتنا المصرية (القاهرة)، والتى تعد من أكثر مدن العالم تضرُّرًا، اذ إن بها ما يعادل مليون انسان يتهددهم خطر الوفاة المبكرة، نتيجة لتلوث الهواء، فيما تؤكد منظمة الصحة العالمية أن خمس سكان العالم يتعرضون لمستويات خطرة من ملوثات الهواء.

فى الواقع توجد سلوكيات يسيرة يمكن للحكومة والمواطنين التعاون فيها، للحد من التلوث البيئى، مثل الحد من استخدام السيارات الخاصة، وتوفير مواصلات «نقل جماعي» لخفض نسبة العوادم والملوثات، الحد من استخدام عبوات «اسبراي» من معطرات للجو والروائح وغيرها، واللجوء الى البدائل التى لا تصدر مثل هذه الغازات الكيميائية المضغوطة، استخدام الفلاتر فى المصانع الخاصة والصغيرة، الحد من التدخين لخفض نسب دخان السجائر، اللجوء للأفران الكهربائية أو التى تعمل بالغاز فى المنازل أو المخابز، والحد من استخدام مواد التنظيف الكيميائية فى المنازل، واللجوء الى بدائل طبيعة من الأعشاب والنباتات، واللجوء الى المنتجات النظيفة من مواد البناء، والعوازل والطلاء، هذا الى جانب دور الدولة القومى الذى تعهدت به أمام العالم للحد من الملوثات.

لقد صرنا جميعا محاصرين بكل الملوثات، فى الهواء، الماء، التربة، الغذاء، حتى داخل منازلنا ومكاتب عملنا، من كميات كبيرة من المواد الكيمائية غير المحسوبة وغير المطابقة للمواصفات الصحية العالمية مما نستخدمها فى طلاء المكاتب والجدران وصناعة الأرضيات، وهى تسبب الصداع وتهيج العيون ومشاكل صحية أخرى ونفسية للمتواجدين داخل هذه الأماكن، وتسمى بمتلازمة المبانى المريضة، نعم صرنا الا قليلا نعانى من الأمراض المهولة والغريبة المنتشرة جراء التلوث، كما اصبحنا نعانى من أعراض بل أمراض نفسية سيئة تؤثر سلبا على مستويات الأداء والعمل، وحتى على سلوكياتنا وردود أفعالنا وعلاقاتنا الاجتماعية والأسرية.

وأتساءل لماذا لا تطبق الدول ومنها مصر أسلوب العمل المرن، أى العمل من المنازل الكترونيا، خاصة فى الأعمال الادارية والمهام التى يمكن أداؤها بصور «مميكنة»، خاصة ان جائحة كورونا أثبتت امكانية الاستغناء عن التواجد الجسدى لنسب هائلة من العمال والموظفين بأماكن العمل، وأدائهم لأعمالهم من منازلهم، توفيرا للوقت والجهد، وأدوات العمل، وتوفير للتلوث والزحام، نعم يمكن تغيير ثقافة التنقل بين المنزل والعمل، واستبداله بمكتب فى البيت، وطرحت دراسة أجرتها شركة «ريجس» العالمية للأبحاث، أن العمل المرن يمكن أن يوفر أكثر من 3.5 مليار ساعة من زمن التنقل بين المكاتب والمنازل فى اقتصادات 16 دولة من الدول الصناعية الكبرى.

البيئة غاضبة، تختنق، وستثور، ولن يرحمنا غضبها، وعلينا بالتعجيل للتخفيف من حدة غضبها، طالبين العون من الله والرحمة.

[email protected]