عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

الحروب لا تسيل دماء الشعوب فقط وأنما تغيرها أيضاً، وعلى مدى تاريخ الإنسانية ظلت الحروب تقيم وتقعد أمم وامبراطوريات. وربما تكون الحرب العالمية الثانية 1939– 1945 هى آخر الحروب التاريخية التى كشفت عن امبراطورية جديدة حلت مكان كل الامبراطوريات القديمة دفعة واحدة وهى الامبراطورية الأمريكية. هذا التقديم ليس دعوة للحرب أو غزلًا فى حمرة الدماء، وإنما تقديم بدا لى ضروريًا للقول إن الحروب الجديدة أصبحت تشن بقوة الأفكار وليس بلهب النار.

كثيرًا ما نردد أن مصر خاضت خمس حروب دفاعًا عن أرضها وعروبتها، وأتمنى أن نسلم معًا بأن اللجوء للحرب تفرضه ضرورات الوجود وليس فائض القوة الذى يغرى أصحابة بالتمدد خارج الحدود.. أمريكا نفسها دخلت الحرب العالمية الثانية متخلفة عن حلفائها الغربيين لأكثر من عام. وعلى ما يبدو فإن الأمريكيين نظروا للحرب من البداية أن نهايتها بالنصر ستكون مناسبة لتتويج النسر الأمريكى على قمة العالم، ولكى يكون للتتويج مهابة فلا بد أن يسبقه انفجار تاريخى مروع، ولسوء حظ اليابانيين فقد سقط التفجير فوق مدنهم فى هيروشيما وناجازاكى لتكون المرة الأولى والأخيرة حتى الآن لاستخدام القنبلة النووية فى الحرب.. أدرك الأمريكيون بلاشك أن ما حدث غير قابل للتكرار لأن العفريت النووى لم يعد حكرًا على القمقم الأمريكى، فقد امتلك سره الاتحاد السوفيتى آنذاك ودول أخرى تعاقب التحاقها بالنادى النووى.

أعود إلى عقيدة الحرب بإطلاق الأفكار وليس وهج النار، وأؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، وبرغم قدراتها العسكرية الكونية غير المسبوقة، وبرغم انزلاقها لتواجد عسكرى هنا وهناك، وبرغم استعراضها لقوة النيران عن بعد كما حدث فى الحرب على العراق ما بين 1990 – 2003 – برغم هذا - وغيره كثير - إلا أن أمريكا كإمبراطورية عالمية كبرى منفردة بالنفوذ فى العالم من نهايات الحرب العالمية الثانية لليوم قررت أن تخوض باقى حروبها بفيضان العلوم والأفكار وليس بهدير السلاح وإغراءات الدمار.. استفحال الامبراطورية الأمريكية خلال العقود السبعة الماضيىة وراءه فوائض اقتصادية امبراطورية وثورة علوم تاريخية، ونماذج للحياة شديدة الإغراء انتقلت عدواها حتى للحارات الضيقة والنجوع بأفقر مدن وقرى العالم، ممثلة فى عبارة تلون ملابس الشباب، والهوس بموسيقى الروك وتجليات هوليوود، وماركات أمريكية مقلدة للأزياء وأدوات تجميل ووجبات سريعة يبدو معها ساندوتش ماك محشوا بالثقافة والشخصية الأمريكية، وليس بلحم البقر الأمريكى. وأخيرًا تلبست أمريكا عقول ومشاعر أكثر من سبعة مليارات حول العالم من خلال شركات تكنولوجيا المعلومات والهواتف الذكية والحواسب الآلية مثل ميكروسوفت وآبل وآى فون واليوتيوب وجوجل وصولًا إلى عصر سيارات تسلا الكهربائية– الشركة التى يستثمر صاحبها إيلون ماسك المليارات من الدولارات فى الأفكار التى تصل به إلى حلم استعمار الفضاء. الجنرال دوايت ايزنهاور قائد القوات الأمريكية فى ميادين القتال بالحرب العالمية الثانية، هو من أصبح رئيسًا للولايات المتحدة بعد الحرب، وهو من بدأت معه سياسات الحرب بالأفكار الملغمة بأنماط الحياة الأمريكية- حيث إنها حرب بلا نقطة دم- حرب أسقطت سور برلين والامبراطورية السوفيتية من دون رصاصة واحدة..

تمنيت- وسيطول التمنى بالتأكيد- أن تتغير قواعد التفكير لدينا فى مصر، وأن نتجه نحو المستقبل بحمولات عصرية نتداوى بها إذا تعثرت رحلة القافلة، أو انحرفت عن مسار العصر وضروراته.. وأذكر هنا بمقوله جميلة ومعبرة للرئيس الأمريكى روزفلت يصف فيها الأمريكيين ولماذا هم يهرولون أكثر مما يمشون– يقول: الأمريكيون يجرون دائمًا خوفًا من أن يلحق بهم الماضى، وخشية أن يتأخروا فتضيع منهم فرص المستقبل. الحقيقة الواضحة أن الأمم المتقدمة غيرت جلدها وفكرها الاجتماعى والسياسى عشرات المرات حتى استقرت على شواطئ التطور الدائم الحقيقية- أما المجتمعات الخاملة خاصة فى محيطنا المصرى والعربى فالمسافة بينها وبين المجتمعات فى الدول الصناعية، هى نفسها المسافة بين أول خطوة لإنسان على سطح القمر أعقبها طوفان علم، والخطوة الميتة أمام «حمام» بلدى نتساءل قبل نقلها هل تكون باليمين أم باليسار، وطبيعى أن تموت الخطوة مكانها لأنها لم تراوح زمانها الأول قبل 15 قرنًا. أن المشهد المصرى والعربى بشكل عام عكس المشهد الأمريكى – فنحن فى سيرنا نمشى ببطء خشية أن نفارق الماضى ونمشى ببطء أكبر خوفًا من لقاء المستقبل.