عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

ما كاد حدث سيطرة طالبان على الوضع فى أفغانستان يستحوذ على الأنباء الأولى فى وسائل الإعلام العالمية، حتى أصبحنا أشبه بمجموعة الرجال العميان الذين راحوا يصفون الفيل فقدم كل واحد وصفًا مخالفًا للآخر باعتبار أن رؤيته الحقيقة الكاملة فيما أنها ليست سوى خبرة جزئية.

الكثيرون من أسرى الانبهار بالقوة الأمريكية راحوا يتصورون أن فى الأمر خدعة من الولايات المتحدة وأنه لا يمكن بأى حال من الأحوال أن تعكس الأحداث هزيمة لها، وراح العديدون من أنصار وجهة النظر تلك يقدمون سيناريوهات مختلفة تقوم على أساس أن الإدارة الأمريكية تسعى من خلال هندسة الأحداث على النحو الذى نشهده إلى توظيف طالبان مرة أخرى فى إطار استراتيجياتها العالمية لمواجهة القوى المتنفذة فى آسيا. وعلى هذا الأساس اعتبر البعض أن طالبان كجماعة اسلامية أشبه بعرائس الماريونيت التى يتم تحريكها وفق هوى من يدير أمورها، فيما راح آخر يعتبر أن صعود طالبان يتم برعاية العم سام، فيما راح ثالث يشير إلى أن الحكاية وما فيها هى استبدال حكم مدنى عميل لامريكا بحكم دينى آخر عميل لأمريكا أيضا.

على جانب آخر راح الفريق الآخر يتيه بأداء طالبان وأن مساعى أكثر من ربع قرن للقضاء عليها لم تفلح حتى من قبل أعتى القوى العالمية وهى الولايات المتحدة، فيما راح فريق ثان يروج لمقولة أن أفغانستان مقبرة الإمبراطوريات مع استدعاء الحوادث التاريخية التى تعزز هذه الرؤية.

وإذا كان من المبكر الحسم بحقيقة اتجاه الأحداث فى أفغانستان فلا يمكن إنكار أنها تعكس مزيجًا من هذه الرؤى. فطالبان رغم أنها صنيعة الولايات المتحدة وجيلنا شاهد على ذلك، إلا أنها بمثابة المارد الذى خرج من القمقم، فكان ما نشهده من اكتساح للعاصمة وعودة الأمور سيرتها الأولى ما قبل 2001 رغم محاولات القضاء عليها على مدار العشرين عامًا الماضية. ورغم كل ما تبدو عليه القوة الأمريكية إلا أنها ليست القوة الخارقة التى لا تهزم، والسوابق التاريخية فى أماكن عدة من العالم وأبرزها فيتنام دليل على ذلك.

يعزز هذا الطرح أن الخروج الأمريكى من افغانستان بدأ الإعداد له خلال حكم الرئيس السابق ترامب، إلى جانب تصريحات الرئيس بايدن الواضحة فى الإشارة إلى عدم رغبة بلاده فى مزيد من الخسائر ومزيد من الانغماس هناك. وقد كان بايدن أكثر اتساقًا مع الذات حينما راح يعلنها صريحة أن تدخل الولايات المتحدة هناك لم يكن يهدف لا إلى تعزيز الديمقراطية أو بناء الدولة الأفغانية، بل وتأكيده على أنه اذا كانت المشكلة قد تم توريثها لأربعة رؤساء فإنه لا يريد نقلها إلى رئيس خامس. لعل خلاصة الأمر بعيدا عن الشكل الفج الذى انتهى به الوضع هناك وبدا مخزيًا للإدارة الأمريكية، أن أفغانستان كانت تمثل صداعًا مزمنًا لواشنطن, ولم لا وقد وصل حجم ما تم إنفاقه على العمليات هناك ما يقدر بنحو تريليون دولار.

أما على صعيد طالبان نفسها فربما يكون من الخطأ الكبير التعامل معها على أنها طالبان 2001 وما قبلها، فلا شك أن الحركة قد استفادت الكثير مما جرى على مدى العقدين الماضيين، وهو ما يبدو فى مواقفها المعلنة حتى الآن من التأكيد على أنها لن تسمح بأن تكون أفغانستان ملاذًا آمنًا للإرهاب، والوعد فى صياغة غامضة باحترام حقوق المرأة وفق الشريعة الإسلامية. وإذا كانت الحركة بدأت كجماعة دينية فمن الخطأ أو الخطل التعامل معها على أنها فى النهاية كذلك وتغافل أنها أصبحت حركة سياسية تتعامل بمعطيات السياسة وليس الدين.

فى كل الأحوال فإن الحدث الأفغانى ربما يمثل فصلا جديدا ومختلفا على السياسة العالمية، الأمر الذى يفضل معه التأنى فى التناول, فلعل ذلك الأسلم والأكثر حنكة.

[email protected]