عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بهدوء

يمثل الدين الرابطة الروحية المعقودة بين الله والإنسان، تلك العلاقة التى تبنى على التعاليم والأوامر والنواهى، أما الاجتماع فهو الرابطة الزمنية بين الأفراد فى المجتمع، والقائمة على العلاقات والروابط والتغير.

إن مسار العلاقة بين الله والإنسان عبر النبوة، وبين السماء والأرض هو مسار جدلى قد يهبط من السماء إلى الأرض طارحًا التعاليم فى التوحيد، والعبادات، والمعاملات، وموجهًا لحركة الإنسان ومساره فى الواقع الاجتماعى، ولكن الإنسان فى واقعه الاجتماعى المتطور والمتغير كان يطرح حيرته وأسئلته على النبوة ليتنزل الوحى من السماء ليُسكن حيرة الإنسان، ويجيب عما يشغل العقل والروح الإنسانية على الأرض، ولتنطلق العلاقة هنا من الأرض إلى السماء فى نمط حوارى وجدلى ليكشف لنا عن دور الوحى فى توجيه حركة الزمنى على الأرض، ودور الزمنى فى تطور نزول حركة الروحى عبر تغير حركة الاجتماع وتطوره، وعبر تجدد مشكلاته.

وبقدر أهمية العلاقة الرأسية بين السماء والأرض، وبين الله والإنسان، إلا أن هذه العلاقة لا تقف عند هذه الحدود، ولكنها حين تؤسس البناء الروحى للإنسان على الأرض تنتقل إلى تأسيس علاقة أفقية موازية بين الإنسان والإنسان محكومة بما تم تأسيسه فى العلاقة الرأسية بين السماء والأرض، وبين الله والإنسان، وليؤثر الدين فى بناء العلاقة بين الإنسان والإنسان، وليؤثر فى علاقات المجتمع الأفقية بين الأفراد سلبًا وإيجابًا، تحررًا وعبودية، تقدمًا وتخلفًا، نهضة وانحدارًا، بما يمنح الدين مكانة مركزية فى تطور حركة الاجتماع، مكانة لا يضاهيها أى نمط آخر من أنماط المعرفة فى الشرق، وذلك لما يحتله الفكر الدينى من دور بارز فى حياة الأفراد اليومية.

ولما كانت النصوص المؤسسة للدين (القرآن والسنة) قد انتهى توسعها بموت النبى- صلى الله عليه وسلم- وصمت الوحى نهائيًا، فكانت نصوص الدين ثابتة، ولكن حركة الاجتماع البشرى لا تكف عن التطور والتجدد، وكانت هناك حاجة متجددة لحضور الوحى فى التاريخ الاجتماعى، وذلك لتجدد الحراك الاجتماعى، ولذا كانت الحاجة إلى نشأة الفكر الدينى الذى هو اجتهاد بشرى حول النصوص المؤسسة لكى يقدم لنا القراءات المتجددة للنصوص التى تراعى تطور حركة الاجتماع، وتعمل على تأصيل حضور الدين عبر الفكر الدينى فى حركة المجتمع.

وهنا نشأت العلوم الإسلامية فى دوائرها المختلفة لتشكل لنا أنماط التدين التى هى نتاج امتزاج الوحى بالاجتماع، فعلم التفسير يقدم تفسيرات ورؤى حول بيان معانى النص القرآنى، الذى يتغير عبر تطور اختلاف البيئة والزمان والمكان، وعلم أصول الدين يقوم بشرح أصول الاعتقاد الدينى فى التوحيد، والعدل، والنبوة، والمعاد، والإيمان بما يسهم فى تقديم قرارات متعددة لأصول الاعتقاد الدينى، وعلم أصول الفقه يقعد للأصول المؤسسة لكيفية إنتاج الأحكام الدينية والتشريعات، والفقه هو علم الأحكام الدينية الذى يقدم تشريعات دينية جديدة للأحداث والوقائع المستجدة، فضلًا عما يقدمه من أحكام ثابتة ومستقرة منذ نزول الوحى، ومن ثم فإن العلوم الشرعية قامت بتقديم الفهم والتفسير والاجتهاد فى رؤية البشرى للنصوص القرآنية وفقًا لتطور حركة الاجتماع البشرى.

ومن ثم فنحن بإزاء ثلاثة محاور رئيسية الدين (الثابت) وحركة الاجتماع (المتغير)، وبينهما يتوسط الفكر الدينى (الاجتهاد) ليقدم لنا قراءات تصل الثابت بالمتغير، وتجدد النظر فى النصوص الثابتة وفقًا لتطور حركة المتغير، وذلك عبر الاجتهاد وتجديد النظر فى الثابت وفقًا لمسار حركة المتغير، وذلك حتى لا تنقطع صلة الثابت بحركة المتغير، وهنا كانت الحاجة إلى تجديد النظر فى الفكر الدينى لأنه وحده هو ما يقيم العلاقة بين الدين والاجتماع، وذلك عبر القراءات المتجددة التى تراعى مصلحة الإنسان والمجتمع وفقًا للمقاصد الكبرى للشريعة الإسلامية، وذلك لأن جمود الفكر الدينى، وعدم تطوره، وتحكمه فى تطور حركة الاجتماع بما قدم من اجتهادات منذ سبعة قرون هو أمر يبدو من دروب المستحيل، ولهذا كان ثبات بعض العلماء على اجتهادات السلف محط السخرية بين أفراد المجتمع، والذين ينظرون لمثل هؤلاء أنهم يعيشون خارج الزمن، وخارج حركة التاريخ، وأن الاجتماع البشرى يخلق قوانينه وفقًا لآليات تطوره مع قطع الصلة بهذا الفكر الدينى الجامد العاجز عن التجدد والتطور وفقًا لتطور حركة الاجتماع.