رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

النفاق أنواع، لكن أخطره فى ظنى نفاق المحكوم لا الحاكم. أن تُرضى الشارع وأنت تعلم أن ذلك على حساب الحق والحقيقة. أن تقول ما لا تؤمن به، فتتغزل فى قبح، وتستحسن سوء سلوك، وتصمت على سوء ظنون. أن تسير خلف القطيع كقط بائس يخاف أن تتركه الصحبة وحيدا. أن تقبل ما يرون حتى لو كان رأيهم ينبع من تعصب لقوم، أو تحيز لفئة، أو تنمر تجاه أحد. أن تهز رأسك مبتسما وكأنك متفق وراض ومقتنع، تسير على خطاهم ذاتها، وتتقبل أحكامهم باعتبارها العدل المطلق، وتُكرر تصوراتهم الساذجة عن الشخصيات العامة وتُرددها كببغاء مُسلِ.

يتمدد «الجهل النشط» فى بلادنا لأننا لا نقاومه. يرسم خطاه على الشخصية المصرية فيصعد بأسافل الناس إلى صدارة المشهد، وينزوى بمبدعين وعباقرة وأفذاذ. يُحدد نظام الجهل النشط مناصريه وخصومه، فكل مَن يصفق ويساير ويقبل، هو وطنى عظيم مشهود له بالاستقامة، وكل مَن يُفكر ويتدبر ويتأمل ويعيد النظر ويختلف فهو عميل أو خائن أو شاذ.

ينعت أحدهم شخصا ما بازدراء الدين، فتلتصق الصفة به إلى الأبد وإن صام وصلى ونطق الشهادتين أمام الناس كل يوم. وربما يرددها القطيع بعد مئة سنة كأنها حقيقة لا تقبل الإنكار. وحسبنا أن نجد حتى يومنا هذا مَن يطنطنون حولنا بأن طه حسين كان عدوا للدين، وبأن نجيب محفوظ هو أديب الإباحية والانحلال!

يضرب الجهل النشط عقولنا مبكرا. أتذكر فى البدايات كيف اتخذت موقفا مضادا من سلامة موسى لأننى قرأت قبل أن أقرأه وصف محمد عمارة له بأنه عميل للحضارة الغربية. أحجمت لسنوات عن الإطلاع على مشروع الرجل ثُم اهتديت إلى كتاباته فيما بعد لأجد افتراء ينبثق من قناعات «عمارة» الذاتية المضادة للتعددية والمحملة بالتشكك وسوء الظن. واقتنعت تماما بذلك بعد مشاهدة مناظرة تلفزيونية شهيرة بين عمارة ونصر حامد أبوزيد، يغالى فيها الأول فى لى سياقات عبارات الأخير ليتهمه بالكفر والزندقة، ويكرر نصر أبوزيد براءته بأنه مسلم ومؤمن ولا يرى ما ذهب إليه خصمه الذى حوّل نفسه إلى مفتش مباحث دينية.

وحكى أنيس منصور أنه ذهب يوما لصلاة الجمعة فى أحد المساجد، فوصل فى دعاء ما بعد الخطبة، وسمع الخطيب يدعو على شخص ما فيقول: اللهم أهلكه كعاد وثمود.. اللهم يتم أبناءه، اللهم بدد سلطانه، اللهم انتقم منه. والناس تؤمن خلفه فى رضا وبراءة، فسأل بعد الصلاة مصليا إلى جواره: على مَن كنا ندعي؟ فأجابه: شخص ملحد ووجودى اسمه أنيس منصور.

بالطبع لا يقتصر الأمر على شعبوية الشارع فى مجال الفكر الدينى والتى جعلت من الشيخ الشعراوى رمزا دينيا، ثم لقبت الحوينى بأسد السنة، وعبدالله رشدى بصوت الحق، ومحمد يعقوب وغيره من الدعاة بأوصاف مستفزة. وتمتد جرائم الجهل النشط إلى تاريخنا السياسي، فنرى كثيرا من أصحاب السياسات الإصلاحية محل عداء وسخرية بينما يعلو الطغاة فوق الجميع بما حازوه من محبة الجماهير الموروثة جيلا فجيلا. وحسبنا أن نقارن هنا بين سياسات إسماعيل صدقى والسادات من ناحية وسياسات ناصر من ناحية أخرى، ونقارن فى الوقت ذاته بين شعبية كل طرف لنعرف أن اختيارات الشارع لا تقوم أبدا على أسس موضوعية.

لقد التفت طه حسين مبكرا إلى نظام الجهل النشط فكتب «إذا أردت أن تُرضى هؤلاء الناس فتملق حبهم للعرب وإسرافهم فى هذا الحب واجعل أمتهم أشرف الأمم ولغتهم أشرف اللغات وأدبهم أرقى الآداب، تفز بما شئت من تصفيق وإعجاب، وبما أحببت من حمد وثناء، ولكنك تسىء إلى العلم وتعتدى عليه فاختر بين رضا العلم ورضا الجماهير».

والله أعلم.

[email protected]