رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بهدوء

 

 

تتسم التجربة الصوفية فى كل الأديان بصفات عامة كلية، سواء كانت أديانًا إلهية أم بشرية، سماوية أم أرضية، وذلك على الرغم من خصوصية كل تجربة صوفية فى طابعها الثقافى والدينى، وعلى الرغم من سعى المستشرقين للبحث عن الأصول الأجنبية للتصوف الإسلامى سواء كانت أصولًا فارسية أم هندية أم يونانية أم مسيحية فإن ذلك منبعه وحدة التجربة الصوفية فى كليتها العامة، والطابع الانفتاحى لتلك التجربة، رغم خصوصية كل تجربة فى طابعها الحضارى، فإن تأثير السابق فى اللاحق هو أمر طبيعى فى حركة الثقافة الإنسانية، ولعل التأثير المسيحى فى التصوف هو التأثير الأعظم.

إن انفتاح التصوف على الأديان باعتباره دينًا للمحبة والتسامح يبدو لنا واضحًا فى موقف التصوف الإسلامى من المسيح، وفى مدى حضور صورة جيدة للمسيح والمسيحية فى التصوف الإسلامى، وهو ما يكشف عن أمرين أولهما تسامح التصوف، وثانيهما وحدة التجربة الصوفية، فقد بدا السيد المسيح فى التصور الإسلامى بالدرجة الأولى زاهدًا عظيمًا، إنه المثل الأعلى، القديس الذى استغنى عن حاجات الدنيا، وارتباطاتهما جميعًا فراح يسيح فى الأرض ويلتحف السماء، ويتوسد الأرض، وهو فى جولاته ورحلاته لا يطلب النقود مثله فى ذلك مثل الراهب البوذى المتسول تمامًا، وكان البوذى يمتلك مصفاة وطاسة للصدقات، أما المسيح فما كان يمتلك أى شيء من المتاع، إنه لا يتسول من أجل لقمة العيش، وإنما يقتات بما تجود به الطبيعة له، ماء من عين، وحشائش مما تنبت فى الأرض.

ولقد كان هناك أواصر قربى بين المتصوفة المسلمين والرهبان فى أنماط الحياة والتعاليم، ولذا فقد احتل المسيح مكانة بارزة لدى المتصوفة المسلمين فقد «تركت الأحاديث ذات الطابع الفكرى التى دارت بين المسلمين والزهاد النصارى سواء فى الصوامع الموحشة، أو من خلال السياحة التعبدية فى الجبال المقفرة آثار كانت أكبر من مجرد التعرف على حياة المسيح عيسى بن مريم وكلماته، ومهما يكن من أمر فقد تعلم الزهاد المسلمون على وجه الخصوص ترديد عبارات من موعظة الجبل، ومنها بالدرجة الأولى تلك العبادات التى تحذر من مغبة التظاهر على الآخرين بالتعبد، أو إدانة واحتقار الآخرين، وكذلك تلك العبارات التى تؤكد على ضرورة المسامحة، كما تعلموا ضرورة الإشادة بهذه الفضائل الإنجيلية، وضرورة تطبيقها بنفس الصيغة التى شاهدوها عند الرهبان والنصارى».

ولاشك أن هذا التأثر من قبل الصوفية بالرهبان النصارى نابع من وحدة التجربة الصوفية فى كل الأديان حيث كانت إرشادات الرهبان أمرًا نافعًا، «فمالك بن دينار لا يأنف من أن يتعلم من الرهبان النصارى، فهو يقول رأيت جبلًا عليه راهب فناديت، فقلت: يا راهب أفدنى شيئًا مما تزهدنى به الدنيا، قال أو لست صاحب قرآن وفرقان؟ قلت: بلى! ولكن أحب أن تفيدنى من عندك شيئًا أزهد به فى الدنيا، قال: إن استطعت أن تجعل بينك وبين الشهوات حائطًا من حديد فافعل».

 ولا شك أن اعتقاد الصوفية بأن السبيل إلى الله قائم على المحبة، وأن المحبة هى جوهر الاعتقاد بالله فيه تأثر واضح من قبل الصوفية بروح المسيحية، وذلك لأن «المحبة الإلهية من أجزاء العقيدة المسيحية، وهى العمود الفقرى لدى المتصوفة منهم، فالغالب عليهم وصف المسيح بأنه مؤنس النفس ومحبوبها، فالمحبة تُنمى القوة الخاصة داخل المسيحى، وتُمكنه من التخلى عن آنانيته، وتفسح له المجال أمام العطاء الحر للآخرين باعتبار أن المحبة إنما هى كائن فعال ينتقل من الرضاعة إلى الطفولة إلى الكهولة عبر تلك العلاقة الشخصية بالمسيح، والحب لدى المتصوفة يُجرى الدم فى الكائن الحى، وعلى ذلك فدورة الحب تشبه الدورة الدموية تبدأ من الله وتعود إليه» ومن هنا يبدو مدى تأثر الصوفية العميق بالمسيحية.