رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

توقفنا فى مقالنا السابق عند السؤال: لماذا فشل الحراك السياسى بعد أحداث الربيع العربى فى تغيير الوعى؟

يبدو لى أن السبب فى ذلك يعود لأسباب سياسية - ثقافية، بمعنى أن استبداد الأنظمة العربية جعلها تقاوم التغيير دائمًا، وترفض فكرة التعددية السياسية، ولذلك غابت المعارضة السياسية عن الشارع وأصبحت مجرد حلية تتزين بها تلك الأنظمة. ولأن الشارع العربى بلا ممارسة سياسية، كان لابد لهذا الفراغ الشاغر أن يجد من يملأه، وبالفعل توحشت جماعات الإسلام السياسى وتمددت لتتجاوز نطاق جماعة الإخوان المسلمين وتشمل كافة الفصائل السلفية بكل مستوياتها الدعوية والجهادية، ولا فرق فى قناعاتى بين فصائل هذه الجماعات لأن الإرهاب يبدأ فى الرأس عندما يظن المرء أنه قد امتلك الحقيقة المطلقة وأنه المصطفى من قبل الإله لهداية البشر، هنا تبدأ الكارثة ويبدأ الإرهاب الحقيقي.

ولا يمكن لعاقل أن يُنكر أن الدين هو مكون أصيل من مكونات أى ثقافة إنسانية حتى أشدها علمانية، ولكن أزمة الخطاب الدينى الإسلامى فى العالم العربى تتمثل فى نقطتين: الأولى: أن الخطاب الدينى الإسلامى خطاب شمولى يسعى إلى السيطرة على كافة مناحى الحياة السياسية والثقافية واليومية، ما أدى إلى افتراس الهوية الدينية للهوية الثقافية فصارت هوية دينية خالصة. فلا يوجد فى عناصر هويتنا الثقافية المعاصرة ما ينتمى إلينا سوى الدين واللغة والتاريخ، أما الفلسفة والعلوم والفنون والاختراعات والإبداعات البشرية كافة، فإنها للأسف تنتمى للآخر الغربي، لذلك لم يجد رجال المؤسسات الدينية، وعناصر الجماعات الدينية من ينافسهم فى مضمار الثقافة، فكانت لهم السيطرة على المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية، ثم اقتحموا مجال الحياة اليومية، واخترقوا معظم التجمعات السياسية والاجتماعية والثقافية. ومن ثم فقد كانت مهمتهم سهلة فى الوصول إلى سُدة الحكم، مثلما حدث فى مصر فى يونيو 2012، بعد أن أحكم الإخوان قبضتهم على السلطة السياسية، لولا يقظة الجيش المصرى العظيم بقيادة الرئيس السيسي، الذى قضى على أحلامهم قبل أن تطيح بالوطن وبالأرض وبكل شيء.

النقطة الثانية لأزمة الخطاب الدينى الإسلامى فى عالمنا العربى تتمثل فى جمودية هذا الخطاب على العكس من الخطابين اليهودى والمسيحي، حيث خضع كل منهما للعديد من النقد والتفكيك والتطوير بما يُلائم حركة التقدم التاريخي. فى حين أن الخطاب الإسلامى (فى نسخته السنية والشيعية) ظل أرثوذكسيًّا تمامًا وأصوليًّا حتى النخاع، ما عزله عن حركة التطور التاريخي، ولم يحاول أصحابه الخروج من عباءة الأسلاف، أو تحريره من المرويات والأحاديث والتفاسير التى تنافى العقل وتجافى الواقع، فضلًا عن أن الطابع العنيف والإرهابى والتكفيرى الذى تميزت به كل الجماعات والتنظيمات الإسلامية التى ظهرت فى الحقبة الراهنة فى العالم العربي، أضفى على العقيدة الإسلامية طابعًا عدوانيًّا وإقصائيًّا تجاه الآخر، ما ساعد على تفريغ الخطاب الدينى من دوره الإنسانى والتحرري، وطمس الوجه المشرق لحضارة الإسلام، وأخفى الكثير مما انطوت عليه بعض آيات القرآن الكريم من دعوة إلى السلام وإلى الحب وإلى الحرية وإلى التعايش المشترك بين الشعوب قاطبة.

والواقع أن ضعف وتآكل وتهافت المؤسسات فى معظم الدول العربية أعطى الفرصة للخطاب الدينى الأصولى ليكون أكثر قبولًا لدى جموع متعطشة لأدوار البطولات، ولديها فائض من العنف بفعل القمع الممارس عليها من قبل السلطة. والخطاب الأصولى نفسه هو خطاب بسيط وسهل ورخيص وغير مكلف وعاطفى ومريح يتكون من: مواعظ، ورقى، وتضرعات، وأدعية، وقصص، ومعجزات، وبطولات، ويقدم وعدًا بخلاص نهائى يُحرر الإنسان من الخوف والفقر والقلق من الموت والمجهول، ويعفيه من رعب المسئولية المرتبط بالحرية.

كل ذلك وغيره ساعد على إبقاء هذه الجماهير الصامتة فى حالة من الجمود والتخلف والتصلب، ورفض أى محاولة لإعمال العقل أو للتحرك صوب المستقبل، أو للتحرر من سلطة عبادة الماضى وتقديس الأسلاف.

تلك هى قصة تشويه الوعى العربى ليصبح وعيًا بدائيًّا وسحريًّا وأسطوريًّا تمامًا، ومن ثم فقد غابت عن هذا الوعى كل رؤية عقلانية أو منطقية أو علمية، وأصبح رجال الدين والفقهاء هم رجال الدولة والعلماء، وانزوى رجال الفكر والعلماء الحقيقيون بعيدًا عن دائرة الضوء، ليتخذوا لأنفسهم مكان قصيًّا، هناك مع المهمشين والمنبوذين والمستبعدين، وإلى جانب هؤلاء ممن ألقت بهم ثقافة المجتمعات العشوائية فى دوائر النسيان!!

وللحديث بقية...