عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عطر الأحباب

 

 

 

بين عامى 1898 و1982، عاش الفنان الكبير الرائد يوسف وهبى حياة حافلة مليئة بالعطاء المتميز، فقد قُدر لسليل الأسرة الأرستقراطية الثرية أن يكون واحدا من أهم صانعى النهضة المسرحية المصرية، منذ أسس فرقة رمسيس فى العشرينيات من القرن العشرين، وقدم من خلالها عشرات الأعمال التى تركت آثارها العميقة فى وجدان الملايين من المشاهدين المولعين بإبداعه ذى الرؤية المختلفة والشكل المنفرد والمذاق غير المسبوق.

سينما يوسف أكثر حضوراً عند المعاصرين، وللممثل العملاق مكانه ومكانته فى التاريخ السينمائى المصري. فى سنة 1930، أسس شركة «رمسيس فيلم» التى أنتجت فيلم «زينب» الصامت، وبعد عامين أنتج الفنان القدير ومثل أول فيلم ناطق فى تاريخ السينما العربية: «أولاد الذوات».

أضاف يوسف وهبى الكثير لتاريخ الفن المصري، لكن الإنجاز الأهم يتمثل فى انتصاره العملى لقيمة الفنان ومكانته فى المجتمع. قبله كان التمثيل نشاطا جديرا بالازدرء والاستهانة، ولم تكن كلمة «ممثل» إلا مرادفا للمشخصاتى والشخص التافه الذى لا يمكن أن يقترن بالجدية أو يستدعى الاحترام. جاء يوسف بك، سليل الباشوات، ليجعل من الفن رسالة سامية، ومن الفنان إنسانا محترما يحظى بمكانة رفيعة. اعتز بكرامة المهنة، وحافظ على الأصول والتقاليد التى تُراعى إلى درجة التقديس فى البلدان المتحضرة.

فى العاشر من مارس سنة 1923، ارتفع الستار عن العرض الأول الذى تقدمه فرقة رمسيس، وكانت تضم خلاصة فنانى مصر آنذاك، بقيادة عزيز عيد، ومعه أحمد علام وروز اليوسف وحسين رياض وزينب صدقى وفتوح نشاطى وحسن البارودى وعلوية جميل وفردوس حسن، فضلا عن تلميذة يوسف النجيبة التى أحبته وأخلصت له كما لم يفعل أحد: أمينة رزق.

تعرض يوسف للإفلاس مرات، وفى كل مرة يعاود النهوض والعمل. لم يقتصر نشاطه الفنى على مصر وحدها، فقد طاف بفرقته أرجاء العالم العربي، واكتسب فيها شعبية لا تقل عن جماهيريته فى مصر.

لم يكن يوسف ممثلا عاديا ممن تألقوا فى المسرح والسينما، فهو أقرب إلى مؤسسة عملاقة تمشى على قدمين، وأروع ما فى هذا الفرد- المؤسسة أنه صنع نجومًا يصعب حصرهم، ولم يتنازل يومًا عن اليقين بأنه صاحب رسالة تستحق أن ينذر لها العمر. سليل الأرستقراطية لم يكن ممن يعبرون عن انتمائهم الطبقى الضيق، فقد دافع بصوت جهير عن مصالح الفقراء والبسطاء، وعاش مع همومهم وآلامهم، من منطلق إصلاحى خالص. قد يأخذ عليه بعض نقاده أنه لم يكن موفقا فى اجتهاداته ورؤاه، لكنه اجتهد فأصاب وأخطأ، ومن الذى يملك الحقيقة المطلقة؟.

المعاصرون من عشاق الفن لا يعرفون الكثير عن مسرح يوسف وهبي، وقد تكون معرفتهم بإبداعه السينمائى محدودة، ذلك أن أفلامه القديمة لا تُعرض إلا نادرًا، وبعضها لا يُعرض على الإطلاق. أفلامه فى مجموعها بمثابة علامات راسخة، تحدد أهم ملامح التوجه الفنى والموضوعى لمسيرة السينما المصرية، ولا شك أن تحليل وتقييم هذه الأفلام لا يمكن أن يتم بمعزل عن الظروف التاريخية لإنتاجها.

حتى نهاية الأربعينيات، كان يوسف بطلا سينمائيا قادرا على التوافق مع العصر، وفى العقود التالية تنازل عن البطولة، لكنه ازداد لمعانا وتألقا وتوهجا. مع شخصية الحكمدار فى «حياة أو موت»، 1954، بدأت رحلة التنوع التى يتميز فيها الجانب الكوميدى كما هو الحال فى «الناس اللى تحت» و«إشاعة حب» و«اعترافات زوجة»، وصولا إلى قمة الأداء العبقرى فى «ميرامار»، حيث شخصية الإقطاعى الساخر التى تفوق فيها يوسف بحضوره الطاغى وجاذبيته السحرية وفكاهته الموجعة. تجاوب معه المشاهدون بلا حدود، فقد اكتشفوا أن فنانهم الكبير يشتبك مع واقعهم، وأنه معارض من طراز فريد!