رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بهدوء

 

 

 

 

إن طريق التصوف الذى ينفتح على التجربة الإيمانية، والوصال بالله من خلال الحب، إنما يؤمن بصورة أساسية بأن مقدرة الإنسان على إدراك الحقيقة إنما تكون بصورة نسبية، وذلك لأن معظم الصوفية قد آمنوا بنسبية معرفة الإنسان لما هو إلهى، وأن ما يدركه من المطلق إنما يدركه بما هو نسبى ومحدود، كانوا مدركين كذلك أن إدراك كل صوفى لمعانى القرآن مختلف من شخص لآخر ولذا فإن معانى القرآن تنكشف لكل صوفى بحسب استعداده الروحى، وبحسب وقته وحاله، وهنا نعلم لماذا يختلف الصوفية فى مشاربهم ونزعاتهم واتجاهاتهم الروحية، والحقيقة أن لكل صوفى عالماً روحياً بذاته، وأن الطرق الصوفية المؤدية إلى الله هى بقدر هذه العوالم الروحية. ونتيجة لاختلاف مشارب الناس وأحوالهم من الصوفية فقد آمنوا بأن الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق، فالصوفية يؤمنون بتعدد الطريق إلى الله، لأن رؤية الحقيقة المطلقة ذات الجلال والكمال لا تتجلى للبشر النسبى إلا بما هو نسبى، فالكل يدرك الحقيقة وفقاً لحاله.

ولا شك أن إيمان المتصوف بتعدد الطريق إلى الله، ونسبية إدراك الحقيقة، جعل من طريق المحبة الصوفى إلى الله طريقاً منفتحاً على كل الأديان والثقافات والتجارب التى يمكن أن تغذى التجربة الدينية الفردية للسالك فى طريقه إلى الله، ومن هنا كان لابد أن نرى كيف أن طريقة الصوفى إلى الله كان منفتحاً على كل الأديان والملل والثقافات وكيف كانت نظرة الصوفى إلى الآخر المغاير له فى الدين والثقافة نظرة متسامحة، فالصوفى بطبعه لا يميل إلى تكفير المغاير له فى الدين والاعتقاد، لأنه يرى أن الأديان هى مجرد طرق للوصول إلى الحق الأول (الله).

وتبدو نظرة الحلاج المتسامحة فى قوله: «ليس على وجه الأرض كفر إلا وتحته إيمان، ولا طاعة إلا وتحتها معصية أعظم منها، ولا إفراد بالعبودية إلا وتحته ترك حرمة، ولا دعوى المحبة إلا وتحتها سوء الأدب، لكن الله تعالى عامل عباده على قدر طاقتهم» وهكذا نرى عظمة التجربة الصوفية القائمة على التسامح والمحبة حتى للذين يمكن أن يكفروا الآخر، وينظروا إلى الجانب الإيجابى القائم فى مسألة التكفير.

لقد آمن المتصوفة بالانفتاح على الأديان بالذات لاعتقادهم بأن مصدرها واحد وهو الله، ولذا يؤمن التصوف بوحدة مصدر الأديان، ووحدة أهدافها، وكان الحلاج يرجع وحدة الأديان إلى المحبة الإلهية، فما دام الناس يحبون الله فيجب أن يكون الحب هو دينهم، وأن الاختلاف فى الأسماء والصفات والمعانى فهو اختلاف عرضى، فالمحبة هى الأصل، وما الأديان إلا شعب جمة.

ويرى الحلاج أن الأديان كلها لله عز وجل، وأن كل طائفة تنشغل بدين لها، وأنه لا اختيار لهم فى دينهم، فيقول الحلاج «الأديان كلها لله عز وجل جعل لكل دين طائفة، لا اختيار لهم، بل اختياراً عليهم، فمن لام أحداً ببطلان ما هو عليه فقد حكم أنه اختار ذلك لنفسه، وهذا مذهب القدرية مجوس هذه الأمة، وأعلم أن اليهودية، والنصرانية والإسلام وغير ذلك من الأديان هى ألقاب مختلفة وأسماء متغايرة، والمقصود منها لا يتغير ولا يختلف» ومن هنا نلاحظ أن أساس الانفتاح على الأديان الأخرى هو البحث عن وحدة هذه الأديان من حيث الأصل والهدف، وهذا ما يقرب بين الأديان ويوحد بينها بروح متسامحة محبة، ومن ثم لا ينبغى الحكم على معتقدات دين من الأديان بأنها باطلة وخطأ؛ لأن غاية كل الأديان هو التوحيد، والبحث عن حقيقة، وهنا كان طريق التصوف أكثر تسامحاً وقبولا للآخر.