رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

الألفية الجديدة، وهى الثالثة فى التأريخ الميلادى الذى بدأ بميلاد السيد المسيح، التى انطلقت قبل عشرين عامًا وشهور، لها سمة خاصة تختلف عن الألفي سنة اللذين مضيا.. إيقاعها سريع جدًا ومرت كلمح البصر، والسنة فيها لا تساوى أكثر من يوم، وهى أقرب إلى التصوير القرآنى لسرعة مرور الزمن فى الدنيا، وكأنما بقيت يومًا واحدًا: «كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا».

وهذه الألفية الثالثة قريبة الشبه بمنجزاتها العلمية والتكنولوجيا التى وصلت إليها.. كل شيء فيها صغير الحجم، وكبير المنفعة، واستهلاكها سريع، ومعلوماتها كثيرة ولا يبقى منها سوى القليل فى الذاكرة، وأهم ما يميزها هو التشغيل الذاتى، حيث لا تحتاج إلى جهد بدنى من الإنسان لتشغيلها.. فمجرد وصول القليل من الطاقة إليها تعمل بمفردها بدقة عالية وكفاءة تفوق قدرات الانسان بمراحل مثل أجهزة وبرامج الكمبيوتر والهواتف والساعات الرقمية.. و.. و.. إلى أن نصل إلى أجهزة ضبط نبضات القلب!

كل ذلك يحدث بسرعة والتطور يجرى فيها بصورة أسرع، وما توصل إليه الإنسان خلال عشرين سنة الأخيرة يفوق ما توصل إليه فى ألفي سنة لتطوير أدواته التى بدأت بالرمح للصيد والمحراث للزراعة إلى أن وصل إلى اختراع السيارة والأجهزة الكهربائية.. والصواريخ، وواضح أن هذه السرعة فى إنجاز أشياء كثيرة فى وقت قصير كان له تأثير مباشر فى الشعور بسرعة الزمن.. فقد كنا نعمل شيئًا واحدًا فى وقت طويل وفى حيز مكانى كبير.. الآن عكس كل ذلك، فالتليفون بحجمه الصغير ينجز الأعمال فى ثوان ويضم أدوات وأجهزة كانت تحتاج إلى عدة غرف!

وبعيدًا عن.. الكلام عن أهمية أن نواكب هذا العصر وهذا التطور، والتخلص من القلم الكوبيا وورق الكربون لعمل صورة من الوصل، وكلها أدوات نستخدمها فى مصالحنا الحكومية وكأن الألفي سنة اللتين مرتا على البشرية كلها مازلنا فى مراحلهما الأولى.. بعيدًا عن كل ذلك فإن الحقيقة المرة هى مرور تلك العشرين سنة الأخيرة بهذه السرعة وكأنها بالفعل عشرون يومًا.. وأعتقد أن الكورونا جاءت حتى نتوقف قليلًا فى جنون السرعة، فمن الملاحظ أن العام الأخير بمفرده يساوى نحو مائة سنة من عمر البشرية!

ولا شك أن الكورونا هى جرس إنذار للإنسان للتوقف عن الجنون فى التكنولوجيا التى قللت من شأنه ومن قدراته رغم أنه هو الذى ابتدعها ولكن حكاية التشغيل الذاتى بقدرات فائقة همشت الانسان الذى كان أساسيًا فى الصيد والزراعة والصناعة.. حتى العلاقات الانسانية صارت غير ضرورية، وأن جهاز تليفون بحجم كف اليد يغنيك عن عائلتك كلها.. وإن رسالة SMS منه صارت تعمل بدلًا من هيئة البريد كلها بموظفيها ومكاتبها فى كل المحافظات.. وفى كل العالم، وأعتقد أن كورونا كانت، ومازالت، كإنذار أخير إلى كل الإنسانية للتوقف عن هذا الجنون التكنولوجى والسرعة الفائقة التى تكاد تمحو الزمن والمكان من حياتنا وكأننا نسبح فى فضاء لا نهائى من الفراغ المظلم.. ولا شيء أصعب من التحذير بالموت من فيروس لا تراه العين وهى رسالة بعلم الوصول بضعف الإنسان!

[email protected]