رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

داهمت العالم منذ أكثر من عام جائحة الكورونا، ومن ثم فقد فرضت على البشر جميعاً فى كل أرجاء الأرض نوعاً من العزلة الإجبارية، التى بمقتضاها أصبح الإنسان عدواً لأخيه الإنسان، وصار الآخر وفقاً لمقولة سارتر الشهيرة: «هو الجحيم».  وقد انعكس هذا الوضع المأساوى على كل أشكال التواصل الإنسانى، ومنها التعليم، فاضطرت الدولة خلال هذه الفترة إلى اللجوء إلى ما يسمى بالتعليم عن بعد، أو بلغة العصر «أون لاين»، وهذه المرحلة تعتبر فترة استثنائية فى تاريخ البشرية؛ لأن الحياة أقوى من الموت، وسوف تعود الحياة إلى طبيعتها بعد انحسار الوباء؛ لأن العزلة والوحدة هما أكثر رعباً من الموت نفسه.

ويبدو لى أن السادة خبراء ومديرى التعليم فى مصر كان لديهم حدس تنبؤى واستشراف بما سيحدث فى المستقبل، ولذلك قرر السيد وزير التربية والتعليم منذ سنتين مشروع «التابلت» دون تهيئة الواقع– الذى يعانى الفقر والتخلف– لمثل هذا المشروع الراديكالى، ومن ثم بتنا نسمع اليوم أن طلاب الثانوية العام هذا العام (2021) سوف يؤدون امتحاناتهم إما من خلال التابلت أو من خلال كراسات الإجابة، ولا أدرى كيف يمكن ممارسة هذه الازدواجية فى تقييم الطلاب!!

ولم يقف الافتتان بما هو آلى عند حدود المدرسة، بل امتد إلى الجامعة، فلجأت بعض الجامعات إلى ما يسمى بالأسئلة الموضوعية، التى تقوم على الاختيار بين الصواب والخطأ، أو الاختيار من إجابات متعددة، وهو أسلوب إن كان يصلح للتخصصات العلمية والرياضية فإنه لا يصلح للتخصصات الأدبية والقانونية والسياسية، فضلاً عن أنه أكثر ملاءمة للأطفال والصغار من الناضجين والكبار، ولذلك فإن تطبيقه داخل الجامعات يؤدى إلى تعطيل الخيال وإعاقة التفكير النقدى والإبداعى، وتسطيح عقول الطلاب وتشويه وعيهم المعرفى.

ومع كامل احترامى وتقديرى لهذه الجهود المبذولة من قبل وزارتى التربية والتعليم العالى، التى تستهدف التحديث والعصرنة، إلا أننى كأستاذ جامعى، لدى خبرة تزيد على ثلاثين عاماً فى الحياة الجامعية، أود التنبيه إلى أن التابلت والكتاب الإلكترونى والتعليم أون لاين هى مجرد أدوات أو وسائل تعليمية، والاستغراق فيها قد يأتى بنتائج عكسية، والإسراع فى تطبيقها بقرارات فوقية تشبه الفرمانات الملكية ربما يؤدى إلى نتائج كارثية. إن المشكلة أيها السادة بدأت من المدارس التى أغلقت أبوابها، وهجرها مدرسوها، وبقيت تشبه الخرائب المهجورة التى تسكنها الأشباح والشياطين.

بداية إصلاح التعليم يجب أن تبدأ من استعادة مكانة وهيبة المدرسة. لقد فقد الأبناء قيمة الأسرة كمؤسسة لأسباب عديدة ليس من المناسب أن أناقشها هنا، وفقدوا أيضاً قيمة المدرسة منذ أن ابتلينا بمراكز الدروس الخصوصية، وشىء طيب أن تحارب الدولة هذه المراكز الموبوءة التى أدت إلى إفساد التعليم، لكن حتى تكتمل دائرة الإصلاح لابد من إعادة القيمة التربوية والتعليمية للمدرسة؛ حتى تصبح المدرسة كما كانت قديماً فضاءً لدراسة العلوم والفنون ولتشكيل عقلية ووجدان وجسد الإنسان.

إن الاهتمام المبالغ فيه بميكنة التعليم دون الاهتمام بتغيير المناهج والمقررات لن يؤدى إلى نتائج إيجابية، بل قد يؤدى إلى تهميش دور الأستاذ واتساع فجوة الاغتراب بين الطالب والمعلم، بل قد يؤدى إلى أن تصبح الآلة التى اخترعناها هى التى تتحكم فينا وتتسيدنا، ونصبح نحن عبيداً لها!!

إن دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى لتأسيس جمهورية مصر الجديدة يجب أن يبدأ من هنا: من تأسيس وعى إنسانى جديد، وعى حر منفتح على المستقبل وعلى الآخر، وعى نقدى – إبداعى وخلاق. مثل هذا الوعى لا يحتاج فقط لتحديث الوسائل والأدوات التعليمية، ولكن يتطلب تقييماً جذرياً للأساليب التربوية والتعليمية، ولمضامين المناهج والمقررات الدراسية. والأهم من كل ذلك، لا بد لنا من تجاوز حالة الاغتراب بين الطالب والأستاذ، بحيث لا تصبح العلاقة بينهما أشبه بعلاقة الروبوتات، أو العلاقة بين الأشياء!!

لقد حان الوقت لأن ندرك أهمية البعد الإنسانى ودوره فى نهضة التعليم فى مصر. إن هذا البعد لا يقل أهمية بأية حال عن أهمية البعد التقنى، بل ربما يفوقه أهمية وخطورة وقوة.