عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

المؤكد أن الاتجاهات السلفية المعاصرة، والتى ترى فى طفولة الأديان قمة الرشد هى اتجاهات إما ساذجة تضربها خيالاتها المريضة فى مقتل، وإما أنها تعانى من طفولة متأخرة تخلط بين الخيال والواقع.. فكرة السلفية واستدعاء الخلافة لعبة عقلية وعاطفية مضحكة أقرب ما تكون لثوب مهلهل قديم يريد أصحابه تفكيكه وإعادة تصميمه ليصبح ثوب عرش الخلافة.

فى العقود الخمسة الأخيرة عادت المسألة الدينية – خاصة السلفية منها – إلى وعى الناس، بعد أن كانت فترة الخمسينيات والستينيات فى العالم كله فترة انحسار للأديان وإعلاء الثقة بالأيديولوجيات المعاصرة وقدرتها على أن تكون البديل البشرى للأديان. كاد المجال الدينى أن يختفى تمامًا من الاهتمامات العامة والبحوث العلمية فى حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية التى قتلت ضمن ما قتلت الكثير من الآلهة، واليوم الصورة مختلفة واتجه الباحثون فى السنوات الأخيرة لاكتشاف المقدس فى كل مكان، بعد أن كانت البحوث والدراسات فى حقبة الخمسينات والستينيات موجهة كلها للبرهنة على فرضية «ضياع الدين» فى مراكز البحوث الأمريكية والأوروبية دراسات عديدة تنزع إلى تأكيد التواجد الدينى على امتداد الفضاء الاجتماعى بكل ألوان طيفه.

هذا التحول تبلور فعليا فى تزايد قوة الاتجاهات اليمينية المتطرفة فى الغرب «أوروبا وأمريكا» واندفاع أصحاب هذ الاتجاهات إلى كراهية الغير وتبنى الدعوة المستمرة للتخلص منه. إسرائيل باعتبارها كرة نار غربية مقذوفة على أرضنا وتاريخنا مثال مزعج لحشر الدين وقصصة الساذجة فى بنيتها السياسية التى لا تستهدف سوى التخلص من الفلسطينيين والتهام ما تبقى من أرضهم.. الدافع الحقيقى لعودة الاهتمام بالوضعية الدينية على حساب النظريات العصرية التى أحدثت ما يشبه «النشوة» الفكرية فى العالم منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين – هو أن العالم خاصة الجزء الغنى منه واجهته فى العقود الأخيرة مشكلات اقتصادية وبيئية مهددة لديمومة تقدمه مثل أزمات الغذاء والطاقة والفقر والمناخ، وهى أزمات وجدت البشرية نفسها عاجزة عن إيجاد حلول لها. النتيجة الطبيعية أمام العجز عن التعامل مع الأزمات المعاصرة أن وجدت النظريات والأيديولوجيات المعاصرة نفسها فى أزمة العجز عن الاستمرار أمام مشاكل بلا حلول.

بعد نكسة 1967 بدأت التيارات الأصولية تطل برأسها وتفرض ثقافتها الشكلية على المجتمع المصرى بقناعة تقول بأن النظريات الاشتراكية والثقافة التنويرية التى كانت سائدة حينذاك قد ثبت فشلها.. المأساة الحقيقية الماثلة العيان حتى الآن أن هذه التيارات السلفية أو الأصولية مازالت ترى أن مواجهة إشكالية النكسة وانحسار النور لا يكون إلا بمزيد من الإظلام، وأن جسارة الفعل السياسى فى الخمسينيات والستينيات، والذى تمثل فى فكر الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، لا سبيل لمواجهة آثاره الكارثية» من وجهة نظرهم إلا بالمزيد من الانسحاب من الحياة وكراهية النور، والاستغناء عن العلم بالخرافة وعن الأبطال الحقيقيين بالأنبياء والأولياء والدراويش.

ولكن، ولكى نكون أكثر موضوعية فلابد من التسليم بأن الأيديولوجيات العصرية على اختلاف مسمياتها لم تعجز فقط أمام المشكلات الجديدة من حروب وفقر وتخلف تقنى، ولكن ربما نكستها الكبرى أنها ساهمت بقدر كبير فى تبرير التسلط السياسى وسيادة ثقافة التمييز والعنف، إلى الحد الذى يمكن عنده أن نقول بأنها ساهمت فى خلق أعدائها من الماضويين أو مدعى الفكر الأصولى. من هنا حدث الخلط بين الدين والسياسة فى العالم – فى مصر تحجب المجتمع وأصبح لقب الرئيس «الرئيس المؤمن»، ثم كانت قمة التراجع والخلط دستوريا بالنص على اعتبار الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، وكأن الدولة نفسها تتبنى الفكر الأصولى السلفى الذى تدعى محاربته. الظاهرة مثلا تأخذ شكلا آخر فى أمريكا، حيث يقول الباحث «لويل هوبرغ» فى كتاب له حول الديانات فى الولايات المتحدة (إن المذهب الكاثوليكى والبرتستانتى والديانة اليهودية – كلها فى الحقيقة تمثل دين «نمط الحياة الأمريكية» تحت وجوه ثلاثة مختلفة قليلا عن بعضها البعض، وكلها بعيدة جدًا جدًا عن نقطة الانطلاق لكل ديانة منها).. وهنا الفارق بين أصولية إسلامية متمترسة فى الماضى وأخرى غربية تسبح فى المستقبل.

ختامًا.. نجدد الدعوة لإحياء علم الاجتماع الدينى، وأن تفتح العقول والصدور لحركة فكرية نقدية جديده تتناول المسائل الدينية بحرية كاملة ودون خوف من مؤسسة أو مجتمع أو دولة تخبئ عصاها لوقت اللزوم.. هناك إشكالية بين النص المقدس والواقع لخصها الشهرستانى بقوله «إن النصوص متناهية، وإن الوقائع غير متناهية، وإن المتناهى لا يحكم غير المتناهى»، وهذا يعنى أنه لا غلبة للنص على الواقع.

وبالله التوفيق