رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عطر الأحباب

 

 

 

بعد اعتقال قصير حافل بالقهر والمعاناة، يُفرج عن الفلاح دياب من سجن المركز. يعود إلى قريته فيهرول ويلقى جسده المرهق فى أحضان الحقل، جوهر حياته وسر وجوده، متمرمغًا فى لهفة عاشق يحترق شوقا إلى حبيبة طال غيابه عنها.

قبل دقائق من ذلك المشهد الأسطوري، كان دياب يعدو حافى القدمين فى نهار قائظ خلف أخيه محمد أفندي، يحمل وجهه علامات التعب غير المحدود. عندما يصل إلى محطة السكة الحديد فى المدينة، تكشف عيناه عن حالة متفردة من الحب والحرمان فى مواجهة أقراص الطعمية، الطعام الشهى الذى يشبه الحلم.

على الشريف «1934-1987» ممثل عبقري، لم يقدم فى رحلته القصيرة مع السينما إلا القليل القليل من كنوز موهبته. يبدأ متأخرا بعد أن يتجاوز الخامسة والثلاثين من عمره، ويزوره الموت مبكرا قبل أن يعانق عامه الثالث والخمسين. مصرى قح لا يمكن إلا أن يكون مصريا، وملامحه الشكلية أقرب إلى القبح. صوته الأجش الغليظ بعيد عن الرقة والعذوبة، أما التكوين الجسدى فيوحى بالجفاف والقسوة. مثل كل المصريين تعساء الحظ، فى ظل أنظمة قمعية تضيق بالحرية والعدالة أكثر مما تكره الموت، لم ينل الفنان القدير ما يليق بموهبته. تفصله عن البطولة أميال، والأجر قليل محدود مقارنة بالنجوم أو من يُقال إنهم نجوم، لكنه فى المشاهد القليلة التى يقدمها يخطف القلوب، متفوقا على من يتربعون فوق القمة مسلحين بالوسامة والأناقة والشعر المصفف وطوفان الدعاية. يتعاطف معه المشاهدون الذين يجدون فيه مظلوما مثلهم، ويشعرون أنه واحد منهم يمثلهم ولا يمثل عليهم.

السجان الصعيدى حسنين عبد المولى، فى «ليل وقضبان»، دور قصير تاريخى لا يُنسى، وكذلك الأمر عندما يجسد الشريف شخصية السجان التابع الضعيف، كأنه السجين، أمام السجناء السادة الأقوياء أصحاب الثروة والنفوذ فى «الأفوكاتو». الإبداع التمثيلى المتوهج لا يُقاس بعدد المشاهد، لكنه ينبع من الصدى الذى لا يتبخر جراء الصدق والسلاسة والبساطة والتلقائية.

من يشاهدون «آخر الرجال المحترمين»، لا بد أن يتوقفوا طويلا عند زعيم النشالين المعلم برغوت، صاحب منظومة القيم والمبادىء التى تراعى العدالة الاجتماعية والأبعاد الطبقية فى المجتمع المصري. لص شريف طيب القلب، عادل حكيم فى التفاعل مع صبيانه وأتباعه كأنه الفيلسوف أو عالم النفس، ويعبر عن الانهيار الكارثى الذى يصل إليه الانهيار فى سنوات التدهور والاحتضار.

القاتل المحترف شمشون، فى «الحب فى الزنزانة»، أحد أعظم الأدوار فى مسيرة على الشريف السينمائية. براعة منقطعة النظير فى تجسيد شخصية القاتل الذى يرى فى عمله مهنة لا ينبغى أن تثير الدهشة أو تستدعى الإدانة. لا يخجل منها، بل إنه يباهى بتعاطفه مع محدودى الدخل، ويفخر بما كان يقدمه لهم من تخفيضات وتسهيلات، وتصل به الشهامة إلى درجة القتل المجانى مجاملة لامرأة جميلة فقيرة.

بكري، الصعيدى الهارب من لعنة الثأر الذى يطارده فى «الإنسان يعيش مرة واحدة»، دور عظيم آخر فى سجل الممثل الموهوب. لا ذرة من الافتعال فى تعبيره الخلاب عن الذعر والخوف من الموت، فهو ينتمى إلى مدرسة العظماء فى تاريخ التمثيل المصري، زكى رستم وحسين رياض ومحمود المليجى ومحمود مرسى وأحمد زكي، أولئك الذين يعايشون الشخصية ويصادقونها ويخلصون فى تفهم سماتها ودوافع سلوكها. يتجاوزون الحب والكراهية، ويدفعون المشاهد إلى احترام الشر والبحث عن الجمال الكامن فى القبح، ذلك أن الإنسان فى خيره وشره وجماله وقبحه وقوته وضعفه، ليس إلا إنسانا فى نهاية الأمر.

فى حضرته، يشعر المشاهد أن المجد للعاديين من الناس، وما أعظمه من شعور.